عندما ظهرن للمرة الأولى على الشاشة، قبل عشر سنوات تقريباً، في برنامج بعنوان «بنات الحلال»، شكلّت الأخوات الهولنديات من أصول مغربية (أسماء وجهاد وهاجر محمد العمراني) ظاهرة فريدة لم يشهدها التلفزيون الهولندي من قبل. فالمشاهد لم يكن معتاداً متابعة برامج تلفزيونية يتولى تقديمها أشقاء أو أفراد من عائلة واحدة، أضف إلى أنّ حضورهن على الشاشة بالحجاب الإسلامي كان أيضاً أمراً جديداً لم يعتده المشاهد الهولندي. وقد أثار محتوى برنامجهن أيضاً نقاشات كبيرة وقتها، علماً أنه يقوم على مواجهة بين الأفكار والتصورات التي تحملها المقدمات الشابات وما يشغل المجتمع الهولندي من أسئلة عن الإسلام والمهاجرين. هذه العوامل مجتمعة حولّت البرنامج إذاً إلى ما يشبه الأيقونة على صعيد البرامج التلفزيونية التي تتناول القلق الأوروبي من مشاكل المهاجرين وتنامي العنف بينهم. وقد جاء «بنات الحلال» استجابة للجو الخانق أو ربما المتوتر الذي همين على هولندا بعد تفجيرات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، وهو الحدث الذي كشف عن مشاكل عميقة لجهة العلاقة بين بعض الهولنديين المسلمين وبلدهم. قامت الأخوات في برنامجهن السابق، بمواجهة بعض القضايا الجدليّة، ومثلن وإلى حدود كبيرة وجهات نظر أبناء جيلهن من الهولنديين ذوي الأصول العربية عامة والمغربية خاصة. لم يكن «بنات الحلال» مواجهة فكرية عميقة بين أفكار مختلفة، لكنه في المقابل فتح النقاشات حول قضايا حرية الرأي والإسلام، والتربية، والمثلية، مبيناً عمق الفجوة بين أفكار أبناء المهاجرين والسواد الأعظم من أبناء البلد. وبعد عقد على برنامج «بنات الحلال»، تعود المقدمات - الشقيقات إلى الشاشة الهولندية عبر برنامج جديد يحمل عنوان «أُمّهات الحلال»، يعرض حالياً على شاشة القناة الحكومية الثانية. وهو يتابع مسار البرنامج السابق، وإنما مع التركيز على الاختلافات في رؤية الأخوات الثلاث بين الماضي والآن. أحداث كثيرة تغيرت في حياتهن خلال تلك السنوات، مثل زواجهن وإنجابهن ونضجهن، مما يستدعي قراءة جديدة لرؤيتهن تجاه واقع المجتمع الهولندي، ومراجعة مواقفهن المتشددة إزاء قضايا معينة أثيرت في البرنامج السابق. يسير «أمهات الحلال»، البرنامج الجديد، على منوال الذي سبقه، إذ تتناول كل حلقة موضوعاً ما تتم مناقشته مع خبراء، إضافة إلى لقاءات في الشارع. وأحياناً يعود إلى «بنات الحلال» (البرنامج الأول) لمقابلة شخصيات تمت محاورتها في حينه. خصصت الحلقة الأولى من البرنامج الجديد لموضوع التربية، واختلافات وجهات النظر حول هذه المسألة الحساسة، فقابلت الأخوات شخصيات هولندية من مجالات مختلفة، منهم لاعب كرة قدم هولندي من أصول مسلمة، يروي تجربته في رعاية أبنائه بعد انفصاله عن زوجته. تتعرض الحلقة الثانية من البرنامج لمواضيع أكثر إشكاليّة، فتبدأ بأثر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي على تشكيل الصورة المثالية للجمال والطلّة والجسد المتناسق، الذي تبحث عنه المراهقات، ثم تتحول الحلقة إلى قضية المثلية، التي أثارت في البرنامج السابق ردود أفعال صاخبة. وتكشف المقدمات الثلاث عن ندمهن على تصريحاتهن غير المتفهمة وقتها، حتى أن واحدة منهن كشفت أنها تريد أن تصفع نفسها على «غباء» ما قالته في إحدى حلقات البرنامج السابق. وإضافة إلى المواضيع التي تتناولها كل حلقة، تشكل محاولات المقدمات مقابلة الزعيم اليمينيّ المتطرف خيريت فيلدرز ما يشبه الخط الكوميدي الذي يتواصل عبر حلقات البرنامج. لن تكلل محاولات الفتيات بلقاء «فيلدرز» بالنجاح، فهو يرفض الظهور على معظم البرامج التلفزيونية الهولندية، ناهيك عن برنامج تقدمه فتيات مغربيات، وهو الذي صرح في العام الماضي - وباستعراضية غريبة أثارت الكثير من الغضب في هولندا - بأنه يريد تقليل عدد المغاربة في المدن الهولندية الكبيرة. والحال أن نـــضج الشقــيــقات والتجارب الحياتية التي مررن بها (كادت أن تموت اثنان منهما في حادثة سقوط طائرة تركية في هولندا قبل أعوام) جعلت برنامج «أُمّهات الحلال» يختلف في حدّته عن البرنامج الذي سبقه. ولم تكن مقاربة البرنامج الجديد لقضاياه أصيلة أو معمقــة بالقدر الكافي، وبدا في معظم وقتــه وكأنه بعيد عن التوترات التي ما زالت تطبع الحياة في هولندا. في المقابل كانت مراجعة المقدمات لأفكارهن قبل عشرة أعوام واعترافهن بتسرعهن أحياناً، بمثابة شجاعة كبيرة تحسب لهن وللبرنامج الجديد.
مشاركة :