أدهشتني معلمتي في الكلية في مدينة أورانج بكاليفورنيا عندما أخبرتني بأنه تم اختيار عائلة مايكل عبدالله لتكون العائلة المضيفة لي، وهو نشاط يتولاه المجتمع المدني هناك لاحتضان الغرباء، وبعد أكثر من اتصال للاطمئنان عليَّ، دعوني إلى منزلهم على العشاء في يوم عيد الشكر، وبعد أسبوعين كانت هناك دعوة صباح يوم الأحد لزيارة الكنيسة، وقد فرحتُ بهذه الدعوة، لزيادة رصيد المعرفة، كنتُ أجلس بين السيد مايكل عبدالله وزوجته، وكانا يشرحان لي بعض الطقوس إلى أن بدأت خطبة القسيس، وكان الحديث عن ظاهرة الطلاق التي تفشَّت في كاليفورنيا، وبلغت نسبتها 32%، فارتعدتُ وقلتُ في نفسي: يا له من مجتمع مُفكَّك. قبل خمس سنوات، حضرتُ ورشة عمل في فندق الهيلتون بجدة، وكانت المفاجأة الكبرى لي أن نسبة الطلاق قد بلغت 34%. وقبل بضعة شهور، وضمن تحقيقات صحيفة عكاظ، تأكَّد ارتفاع حالات الطلاق في 2017 عن السنوات التي قبلها، وأن المحاكم شهدت 53675 حالة طلاق في عامٍ واحد، بمعدل 149 حالة يوميًا؛ هذا عدا الحالات العديدة التي لم تُسجَّل في المحاكم، وعدا الحالات التي تُسمَّى انفصال الزوجين (دون طلاق رسمي)، إذًا نحن إزاء ظاهرة اجتماعية خطيرة للغاية، وأي تهاون في تناولها يؤدي إلى خللٍ اجتماعي كبير، وهو هدم كيان الأسرة التي تُمثِّل خلية المجتمع. أحد الباحثين والمستشار في شؤون الأسرة؛ يُؤكِّد فشل 40 إلى 45% من الزواجات، وهو وضع يُنذر بالخطر، وله تبعات، الله بها عليم، اسألوا مراكز الشرطة، واسألوا المدارس في التعليم العام، لاسيما الإرشاد الطلابي وغيرهم لمعرفة حجم المأساة، فأي نمو وأي استقرار يأتي للمجتمع في حالة تناسي ظاهرة الطلاق وعدم إدراجها ضمن أهم القضايا التي تواجه المجتمع. أما الأسباب فهي متعددة، تبدأ من عدم الشعور بالمسؤولية أمام الله أولًا ثم أمام الآخرين، الأنانية المطلقة، الاختلاط بالأشرار، انعدام خبرات التعامل بين الزوجين، وضعف الإرشاد في هذا المجال، التأثُّر ببعض الثقافات، ومشاهدة بعض المسلسلات أو الأفلام والمسرحيات المنقولة من بيئات مختلفة. هناك هجوم شرس لتصدير الأفلام الإباحية إلى بلادنا للوقوع في المستنقع القذر، مستهدفين الصغار والكبار (بكل أسف)، وكلهم أمل أن يقع الوالدين وغيرهم، فضلًا عن الإدمان على مطالعة الجوال والفيديوهات وغيرها. وهناك الهجوم الشرس الأكثر شراسة وهو ترويج المخدرات. فماذا أعددنا لأنفسنا أمام هذا الهجوم النتن، كلنا شركاء في هذه المسؤولية الضخمة، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته، وعلى مراكز الأبحاث أن تستشعر مسؤوليتها لنشر الوعي الثقافي في كيفية الحفاظ على كيان الأسرة والتعاون على البر والتقوى لاستدراك الأمر ونشر ثقافة الصبر والتغاضي عن الزلات، وننتظر الدور المرتقب للهيئة العامة للأسرة، والدور المهم للمجتمع المدني، والله المستعان.
مشاركة :