لا يستطيع أحد أن ينكر أن الوضع في سوريا الآن أصبح من أسوأ الأوضاع التي يمكن أن تمر بها أي دولة، ليس فقط على الصعيد الإقليمي؛ بل على الصعيد الدولي، وسيظل التاريخ يشهد طويلاً على بشاعة الموقف، ويسرد لنا حكايات وأحداثاً مليئة بالمأساة والمعاناة، كما سيشهد التاريخ أيضاً على تجاهل العالم العربي والمجتمع ككل لتلك الأحداث. ليس موضوعنا، إن كنت مؤيداً أو معارضاً أو مع فصيل بذاته أو ضد نظام، مطالباً بحقوق أو مدافعاً عن قانون فكل هذا يخص المواطن السوري وحده دون غيره، ولكن عندما يتعلق الأمر بكرامة أبنائنا السوريين وبأبسط حقوقهم التي تتمثل في العيش بأمان وسلام بعيداً عن النزاعات التي تشهدها بلادهم، فعلينا هنا التدخل لحماية أرواح أطفال عزل لا يملكون شيئاً سوى براءتهم وطفولتهم التي شابت أمام أعيننا، فمنهم مَن فقد الأب والأم والأخ والأخت، ومن فقد الأسرة بأكملها، ومنهم من نام هادئاً؛ ليستيقظ وسط حطام وأنقاض منزله؛ ليعيش إن كتب الله له العيش مشوهاً جسدياً فاقد الأيدي أو الساق أو عاجزاً عن الحركة. أعتذر عن بشاعة المشهد في وصفي له، ولكن هذه الحقيقة إن لم تكن جزءاً منها، فتلك هي التي تجاهلناها وأبعدنا أعيننا عنها منشغلين بمشاكلنا وأزماتنا، وكشعوب عربية يعكس إعلامنا العربي اهتماماتنا وأهدافنا التي اتضحت أنها تبعد كل البعد عن الجانب الإنساني تجاه أطفال سوريا. لم نجد في إعلامنا العربي بالكامل من المحيط إلى الخليج كما نفخر بعروبتنا واتساع رقعة أراضينا، أي حملات إعلامية تدعو لجمع التبرعات وتقديم الإعانات لهؤلاء الأطفال أو دعوات لاستقبالهم بمنازلنا، على عكس ما يحدث بالإعلام الغربي الذي يقوم بنشر حملات إعلانية توضح حقيقة معاناة هؤلاء الأطفال الذين هم في الحقيقة لا ينتمون إليهم عرقياً، بالإضافة إلى قيامهم بالدعوة إلى تقديم المساعدات والإعانات لهم، وانتشار ممثلي المنظمات الحقوقية في شوارع أوروبا لجمع التبرعات وجذب المتطوعين من الأفراد لخدمة الوافدين إلى القارة الأوروبية بمخيمات اللجوء. أكتب لكم اليوم لعلنا نفهم تفسيراً واضحاً لطبيعة موقفنا كمواطنين عرب تجاه أزمات أبنائنا في سوريا. هل إن كنا سنبقى كثيراً بموقف المشاهد والمستنكر لأزمات أبنائنا؟ بل سيأتي يوماً ما ونأخذ موقفاً إيجابياً حتى إن كان في أبسط أشكاله. وأؤكد أنني لا أنتمي إلى أي فصيل، ولست مؤيداً ولا معارضاً، ولكنني أنتمي لهؤلاء الأطفال ولبراءتهم، وأطالب بالنظر لهم بعين الرحمة ومراعاة الإنسانية تجاههم. يا أيها الحكام والهامات العربية بفخامتكم وسموكم وجلالتكم وسيادتكم ومعاليكم.. أيرضيكم تصنعنا الصم بأيدينا قبل أيديكم وأطفالنا تؤويهم أماكن غير أراضيكم؟! ويا أيتها الأم السورية الجليلة.. أبلغي أبناءك بأننا نعترف الآن بذنبنا، واسأليهم أن يسامحونا.. رجاء سامحونا. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :