لم تكد صحيفة (الرياض) تنشر خبرها المتكىء على قراءة انطباعية مغلوطة ربطت بين الطلاق ووظيفة المرأة زاعمة أنها السبب الأكبر في حدوث الطلاق ، حتى تلقفه المناهضون لعمل المرأة ليشبعوا فيه لطماً وقدحاً في وظيفة المرأة التي فرقت الشمل وزرعت المشاكل في الأسر! بل صدق أو لاتصدق فإن الوظيفة هي السبب الرئيس في كافة البلايا -حسب زعمهم-، بداية بعنوسة الفتيات وليس نهاية بإهمال البيت ورمي مسؤولية الأطفال وتربيتهم على عاتق العاملات المنزليات ! ورغم توضيح هيئة الإحصاء وتأكيدها أن خبر صحيفة (الرياض ) لايعدو كونه اجتهاداً صحفياً واستنتاجاً شخصياً مفتقراً للدقة ، ظل الراقصون على أوتار الخبر مصرين على زعمهم الأول ، بأن عمل المرأة هو السبب الرئيس في ظاهرة الطلاق ! مما يشي بسلطة الأفكار المسبقة وقدرتها على فرض هيمنتها حتى عندما تتوفر الحقائق الدامغة ، ليس فقط فيما يتعلق بالمرأة في مجتمعنا بل في كثير من إشكالاتنا الثقافية ! كما أن نشر القراءة الاستنتاجية المغلوطة مصدراً باسم صحفية امرأة - للمفارقة- ، يشي أيضاً بتمكن الأفكار النمطية المسبقة من التغلغل ورسم المسارات الذهنية ؛ حتى عند نساء عاملات يجنين ثمار تمكين المرأة ، وفتح آفاق العمل لها ! مما يؤكد أهمية الاشتغال على الثقافة وتناقضاتها ، وحلحلة وإزاحة الأفكار المغلوطة المغروسة في أعماق المرأة نفسها، والتي تجعلها تكرس الثقافة السائدة وتعيد إنتاجها لصالح النسق المتعارف عليه ، رغم وقوفه كحائط صد في وجه مصلحة المرأة وتمكينها اقتصادياً ومعنوياً ، وما يعود به هذا التمكين من فوائد على المجتمع والوطن ، وعلى عملية التنمية نفسها . يكشف أيضاً الخبر الآنف لجريدة الرياض والتفاعل المتوالد عنه عن احتدام الصراع الثقافي في المجتمع ، بين المتلقفين للخبر ممن حاولوا توظيفه واستثماره لصالح التقليد وما تعارفت عليه الثقافة السائدة ، وبين الرافضين له والراغبين في تفكيك الأفكار النمطية عن عمل المرأة ، ممن أنشأوا وسماً تويترياً باسم: الوظيفة ليست سبب الطلاق ، والذي اقتبسته عنواناً لمقالي. وهذا الصراع الثقافي المتأجج واقع وملموس نستطيع رصد تجلياته وملامحه أكثر ما يكون في قضايا المرأة على وجه الخصوص ، كما نستطيع رصده في قضايا إشكالية أخرى. وهو صراع رغم سلبياته -كونه كثيراً مايأخذ طابع الحدة والتأزم ، والشخصنة ، وإطلاق التهم على عواهنها كاشفاً عن العنصريات الكامنة في الثقافة - إلا أنه إحدى مفردات عملية تدافع الأفكار وتصارعها ، لينتصر في النهاية مافيه مصلحة الناس ومنفعتهم ، وما تتطلبه عجلة الزمن وسيرورة الحياة ونهضة المجتمعات. وعودة لظاهرة الطلاق الخطيرة المتفشية في المجتمع والتي تُنبىء عن خلل كبير في المنظومة الاجتماعية ، فإن أي رأي يقال في هذا الموضوع لايعدو كونه رأياً انطباعياً يقوم على الملاحظة لحالات يشاهدها ويقاربها صاحب الرأي ، ولا يستطيع معها الإلمام بالظاهرة ككل ،وأسباب تفشيها بصورة شاملة . وذلك بطبيعة الحال بسبب افتقارنا لمراكز الأبحاث التي ترصد الظواهر وتحللها ، وتدرس المتغيرات الاجتماعية والثقافية ، ومدى تأثيرها وانعكاستها على هذه الظواهر ، وصولاً للخروج بالاقتراحات والحلول . amal_zahid@hotmail.com
مشاركة :