لاشك أن هناك وعياً مختلفاً - عند المرأة نفسها- بقضاياها الملحة نراه يتشكل في مجتمعنا ،ونستطيع رصد تجلياته في مواقع التواصل الاجتماعي ، ومن خلال الآراء التفاعلية على المقالات في مختلف المواقع الإلكترونية .مما يعبر عن حالة مخاض يمر بها المجتمع السعودي ، وتدافع شديد بين الأفكار والرؤى ، فقد انتهى زمن الآراء الأحادية ، والفضاءات الرقمية المفتوحة تتيح اليوم للجميع الانفتاح على تعددية الآراء ، والاطلاع على قراءات مختلفة تقارب قضايا المرأة من زاويا مغايرة لما كرَّسته الثقافة . أسعد بما أراه من ملامح هذا الوعي ، لأنه لا يضيع حق وراءه مطالب ، ولأن كثيراً من صور الظلم الاجتماعي الواقع على المرأة يتم بختم موافقتها هي عليه ، ورضاها بدور الضحية التي تستعذب سياط جلادها ! فهناك تربة مخصبة ومهيأة لتقبل الظلم عند المرأة نفسها ، وهذه التربة صنعت على يد الثقافة المجتمعية السائدة التي يهيمن فيها العرف والتقليد على حساب الشريعة ومقاصدها الكبرى! لقد ساد لفترة طويلة تعتيم مقصود على كثير من حقوق المرأة في شريعتنا كحقها في الاشتراط بعقد النكاح ، لتضمن حقوقها وتتوثق من عدم إخلال الرجل بها. وكان الإمام محمد عبده قد قدم رؤية تنويرية في موضوع الطلاق مستمدة من واقعه الاجتماعي وما رآه من ظلم يقع على المرأة ، فيقول: « لا طلاق إلا أمام القاضي أو المأذون وبحضور شاهدين على الأقل وذلك بعد الاستمهال أسبوعاً للتفكير ، وبعد أن يقدم الحكمان واحد من أهله وآخر من أهل الزوجة تقريراً باستحالة العشرة وفشلهما في التوفيق بين الزوجين. « ولا يكتفي الشيخ بذلك ولكنه يضيف :» لا يمكن - مهما ضيَّقنا حدود الطلاق- أن تنال المرأة ما تستحق من الاعتبار والكرامة إلا إذا منحت حق الطلاق ، ومن حسن الحظ أن شريعتنا النفيسة لا تعوقنا في شيء مما نراه لازماً لتقدم المرأة»،.. وهنا يدعو للتحرر من الالتزام بالمذهب الحنفي الذي كان مأخوذاً به في مجتمعه قائلاً : «علينا أن نعمل بمذهب غير الحنفية ، لأنه حرم المرأة في كل حال من حق الطلاق ، حيث قال الفقهاء من أهله (إن الطلاق منع عن النساء لاختصاصهن بنقصان العقل ونقصان الدين وغلبة الهوى ) مع أن هذه الأسباب باطلة ، لأن ذلك إن كان حال المرأة في الماضي فلا يمكن أن يكون حالها في المستقبل ، ولأن كثيراً من الرجال أحط من النساء في نقصان الدين والعقل وغلبة الهوى ، أو أن يستمر العمل على مذهب أبي حنيفة ، ولكن تشترط كل امرأة تتزوج أن يكون لها الحق في أن تطلق نفسها متى شاءت وتحت شرط من الشروط ، وهو شرط مقبول في جميع المذاهب.» ولو نظرنا إلى ما يحدث في قضايا الخلع في مجتمعنا ، والطلاق التعسفي، والتفريق على أساس عدم كفاءة النسب، وإساءة استخدام الولاية والقوامة لتصبح سيفاً مسلطاً على عنق المرأة لأدركنا مدى ابتعادنا عن حقوق المرأة في الإسلام ! ما أحوجنا اليوم إلى مدونة للأحوال الشخصية ، وما أحوجنا إلى فقهاء يساهمون في تحرير خطاب المرأة من إرث العادات والأعراف ! amal_zahid@hotmail.com
مشاركة :