محل الطرشي والمخللات الذي أقصده اسمه طرشي العلمين وعنده لافتة تقول نقدم أفخر أنواع الطرشي لزبائننا الكرام بغض النظر عن انتمائهم العرقي أو الطائفي أو توجهاتهم السياسية. العربحسين صالح [نُشرفي2016/12/27، العدد: 10496، ص(24)] لست الأول ولن أكون الأخير في التنبيه إلى أهمية القياس وأن تكون الأشياء والمنطوقات على قدر قياسها أو مقاسها. هناك شيء مضحك في الأشياء التي تخرج عن قياسها. لذلك تقول الحكمة “لكل مقام مقال”. الأشياء تكون مضحكة عندما تكون أكبر من المقاس وليس أصغر. البنت الصغيرة تبدو مضحكة حين ترتدي حذاء أمها ذا الكعب العالي وتحاول أن تخطو به وكذلك الولد في جاكتة أبيه وهو يريد أن يبدو صارما وقورا (ومقولة لن أعيش في جلباب أبي مسألة أخرى تماما، لذلك اقتضى التنبيه). ونعرف أن الإمام أبا حنيفة كان يضحك من جار له يعمل كناسا لا قيمة اجتماعية له يتغنى في الليل بأبيات للعرجي ويترنم متوقفا خاصة عند البيت الذي يقول “أضاعوني وأي فتى أضاعوا / ليوم كريهة وسداد ثغر” وهو لا يعدو كونه كناسا وهذا ما أضحك أبا حنيفة. ومن الزعم الكبير الذي يتجاوز المقاس بدرجات ما أحبه ويضحكني في طفلة صغيرة اسمها لیلى وهي حفيدة صديق عزيز جدا توفي الآن. أحب حفيدته لأنها حفيدته ولأنها ذكية وجميلة ومضحكة بزعمها الكبير الذي هو أكبر من مقاسها بكثير حتما. كانت في الرابعة من عمرها وتقول “زماااااان وأنا صغيرة …” هكذا، وتمط الألف في كلمة “زمان” تعبيرا عن الزمن السحيق الذي انقضى منذ كانت صغيرة. ولا تنسوا أنها في الرابعة. وفي القاهرة رأيت محل فول وطعمية بائسا كان قد أغلق أبوابه أمام الجمهور الكريم لإعادة الطلاء والترميم وتغيير قدور طبخ الفول و”طاسة” قلي الطعمية. رأيته وقد افتتح المحل ثانية وأعلن عن الحدث السعيد بلافتة كبيرة تقول “إنا فتحنا لك فتحا مبينا” وتحت الآية الكريمة مكتوب بخط النسخ “في عهد الرئيس حسني مبارك تم بعون الله …” وكأنه يعلن افتتاح دار أوبرا لا أقل أو جسر جديد أو أي مشروع عمراني جبار. وحين أكون في القاهرة أحرص أيضا على زيارة محل طرشي ومخللات في منطقة شبرا بسبب ادعائه الذي يزيد عن مقاسه بمراحل. هنا تجدر الإشارة إلى أن القاهرة موطن الفخامة في الادعاء، ففي منطقة العتبة الشعبية المزدحمة هناك محل اسمه هارودز. وهو محل يبلغ من السوء وقلة القيمة أن المحلات اللندنية ذات السمعة لن تفكر أبدا في مقاضاة أصحاب هارودز العتبة. محل الطرشي والمخللات الذي أقصده اسمه “طرشي العلمين” وعنده لافتة تقول “نقدم أفخر أنواع الطرشي لزبائننا الكرام بغض النظر عن انتمائهم العرقي أو الطائفي أو توجهاتهم السياسية”. هكذا تكون الإنسانية وهكذا هو التسامح. معك فلوس وتريد طرشي، بسيطة، اطمئن إلى أن هناك في القاهرة من سيبيعك خيارا مخللا بغض النظر عن توجهاتك السياسية أو دينك. ولم ينس أصحاب المحل أن يضعوا لافتة أخرى أبرز تقول “الدين لله والوطن للجميع” وهذه قمة التسامح. إذا كنت مسيحيا أو مسلما أو أيزيديا وتريد خيارا مخللا فقد أخبرتك أين تذهب. حسين صالح :: مقالات أخرى لـ حسين صالح على قدر المقاس , 2016/12/27 سؤال مهم , 2016/12/20 شقراء الحفلة , 2016/12/13 من يملك شيئا رقميا؟ , 2016/09/06 عن النتائج والبطيخ, 2016/08/30 أرشيف الكاتب
مشاركة :