الوطن العربي يمكن تقسيمه فلافليا دون اللجوء إلى الجغرافيا وإطلاق اسم ذات الفلافل على بلدان المشرق العربي مع مراعاة أن الطعمية ضرب من الفلافل. العربحسين صالح [نُشرفي2017/01/17، العدد: 10515، ص(24)] هناك شيء اسمه الحومة. الحومة هي الموطن، بتوصيف الطائر الذي يحوم في دوائر لا تنتهي عند ديرته، وتسمى أيضا الدومة. والأشياء لها حومات ودومات. لا يهمّنا كل الأشياء ولكن يهمنا اليوم شيء واحد: الفلافل التي لا تطير لكن لها حومة. لها نطاق ولها ميدان والوطن العربي يمكن تقسيمه إلى بلدان الفلافل وبلدان اللا-فلافل. وبهذه المناسبة نذكر أن كل شيء يمكن تقسيمه وفق أشياء عديدة. كنا: الراحل نجيب المانع وأنا، نقسم الإنسانية إلى بشر قرأوا بروست وآخرين لم يقرأوه. وفي يوم آخر تجدنا قسمنا الإنسانية إلى صنف يعلّم فواصم الكهرباء في لوحتها وآخر لا يفعل. هناك فعلا من يكتب جنب الفاصم، صفة الفاصم تعني فاصم إضاءة الدور الأرضي أو فاصم قوابس الدور العلوي. ونقسم البشر يوما آخر إلى هؤلاء الذين يسلقون البطاطس قبل قليها وأولئك الذين يقلونها دون سلق، وهكذا. الوطن العربي يمكن تقسيمه فلافليا دون اللجوء إلى الجغرافيا وإطلاق اسم “ذات الفلافل” على بلدان المشرق العربي مع مراعاة أن الطعمية ضرب من الفلافل. في مجتمعات الفلافل يجري التعامل مع الأكلة بشكل خاص دون أن يقصد الناس ذلك أو يتعمدوه. هي طعام تنسج حوله الأقاويل والقصص والتباهي بجودة الفلافل في كل منطقة. وهي طعام لا يطبخه أحد في البيت لأنه يتطلب زيتا كثيرا فيؤتى به من خارج البيت أو يؤكل في الخارج. محلات الفلافل تحمل اسم صاحبها ومؤسسها وطابخ الفلافل فيها. الفلافل الجيدة تنتج من محل “أبوربيع” أو “أبووليد” ومن ليس له أطفال عليه أن يخترع اسم ولد أو لا يفتح محل فلافل. يجب أن يكون صاحب المحل أبو أحد ما. وهي أماكن صاخبة وليست رومانسية ولا يوجد مطعم فلافل اسمه “الشموع” مثلا. وسمعت في مدح أحد باعة الفلافل في اللاذقية من زبون متحمّس “أبوربيع لا يصنع الفلافل ويبيعها من أجل المكاسب المادية الفانية”. وهذه المرة الأولى والأخيرة التي أسمع فيها عن محل تجاري مفتوح ليس من أجل المنفعة المادية. لكنها الفلافل. الطريق بين دمشق وبيروت يقطع الجبل. الطرق الجبلية لا تشق من لا شيء لكنها دائما تطوير لطريق شقته حوافر الخيل والحمير منذ عصور سحيقة. في هذا الطريق الوحيد بين حاضرتين مهمتين هناك انعطافة حادة في الطريق تشبه الكوع لحدتها أسموها “كوع أبوياسمين”. في هذا الطريق ذو التاريخ الذي مر به الفاتحون والخلفاء والملوك والسلاطين منذ الإسكندر المقدوني هناك جزء واحد يحمل اسم إنسان. سألت عمن يكون أبوياسمين وماذا يميزه عن الإسكندر أو عبدالملك بن مروان فقيل لي “أبوياسمين هذا كان صاحب محل فلافل لم يعد موجودا الآن. اممممممم فلافله طيبة”. هذا المحل يضاف إلى القائمة العجيبة من المحلات الجيدة التي فرضت اسمها وموقعها، فقد كانت في العراق رسائل تبعث معنونة إلى وزارة الدفاع مقابل “لبن أربيل”. حسين صالح :: مقالات أخرى لـ حسين صالح رائحة قلي الوطن , 2017/01/17 صراع الحضارات , 2017/01/10 حق المعرفة, 2017/01/03 على قدر المقاس , 2016/12/27 سؤال مهم , 2016/12/20 أرشيف الكاتب
مشاركة :