حق المعرفة بقلم: حسين صالح

  • 1/3/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

المزعج حقا هو أن تسمع معرفة مغلوطة. تسمع شرحا كثيرا يقوله عرب في لندن عن الإنكليز وطباعهم وهم لا يعرفون شيئا حقا وحياتهم خلو من الإنكليز. العربحسين صالح [نُشرفي2017/01/03، العدد: 10501، ص(24)] يختلف تقييمنا للمعرفة لكنه رغم الاختلاف تقييم بدرجة جيد جدا أو امتياز. ونحن بالذات شعوب تحترم المعرفة ونطلبها بل ونسمي أولادنا “عارف” متمنين أن ينشأوا كذلك. وكلما ازداد تقدير المعرفة ازدادت محاولات تصنع العلم وتزييف المعرفة. المعرفة الجميلة والجيدة يضيع طعمها وتصبح مدعاة خجل متى ما استعرضها الإنسان. من يعرف أشياء وأشياء عليه بالكتمان وعدم الاستعراض. كلنا نمتلك معرفة لكننا لا نظهرها خجلا. وبهذا تكون المعارف، إلى حد ما، مثل الملابس الداخلية: كلنا نرتديها ولا نظهرها لأحد. لا يوجد أسخف من استعراض المعرفة من غير داع حقيقي. أذكر مرة أن سباكا جاء عندنا لنتدارس إمكانية وضع سخان ماء جديد في المطبخ. راح السباك يقيس المسافة بين حوض الغسيل والموقع المقترح للسخان. كان يقيس بصمت ويتعمد إصدار همهمات تدعو إلى التساؤل. لم ينتظر طويلا فقال بصوت خفيض منذر ومخيف: المسافة أكثر من متر ونصف المتر. ثم أضاف وعلامات التلغيز ما زالت واضحة “هل تعرف ماذا سيجري لو كانت المسافة تقل عن متر ونصف المتر؟”. فقلت “لا داعي لأن أدري فالمسافة أكثر من متر ونصف المتر كما تقول”. لكن هذا لم يردعه فالرغبة في استعراض المعرفة عارمة وقد ملكت عليه أمره. وراح يشرح المواصفات التي لا تعنيني. شخصيا أعرف أشياء كثيرة لكنك لن تجدني يوما ماشيا أردد جدول الضرب بشكل مسموع ليعرف القاصي والداني أني أعرف جدول التسعة. لن أقول أبدا للجالس إلى جنبي في حافلة النقل العام “ستة في تسعة تساوي أربعا وخمسين” وأضيف قائلا “في حين أن تسعة في تسعة تساوي واحدا وثمانين”. ولن أقول للمارة أسماء كواكب المجموعة الشمسية بدءا من الأقرب إلى الشمس إلى الأبعد عنها ولا أعرض على أحد في السوبرماركت أن أشرح له أبياتا من معلقة طرفة بن العبد. لكن المزعج حقا هو أن تسمع معرفة مغلوطة. تسمع شرحا كثيرا يقوله عرب في لندن عن الإنكليز وطباعهم وهم لا يعرفون شيئا حقا وحياتهم خلو من الإنكليز. أذكر أن مواطنا عراقيا “عارفا” بطباع الإنكليز كان في صالة انتظار القادمين في مطار هيثرو وكنت أزجي الوقت بالاستماع إلى ما يعرضه من معلومات على عراقيين آخرين يبدو أنهم أحدث منه عهدا في إنكلترا. وظهر رجل واصل لتوه من ألمانيا يحمل حقيبة كتف فقط، واضح أنه ممن يذهبون إلى ألمانيا للعمل صباح الإثنين ويعودون عصر الجمعة. كانت بانتظاره امرأة تحمل طفلا. توجه الرجل إليها وقبلها بخفة وقبل الطفل وهو يقول “هلو دارلنغ”. هنا هاج العراقي العارف وراح يشرح “شفتم؟ هؤلاء هم الإنكليز. هذا الرجل لم ير زوجته منذ عام ولم ير طفله… وحيده وكل ما يفعله: هلو دارلنغ، لا عاطفة ولا حنان”. وهنا بلغ به الانفعال ذروته وهو يصرخ “أين الدموع؟” والذين حوله يطيبون خاطره وهو لا يهدأ، فتركته لفجيعته وصوته عالق في أذني إلى اليوم: “أين الدموع؟”. حسين صالح :: مقالات أخرى لـ حسين صالح حق المعرفة, 2017/01/03 على قدر المقاس , 2016/12/27 سؤال مهم , 2016/12/20 شقراء الحفلة , 2016/12/13 من يملك شيئا رقميا؟ , 2016/09/06 أرشيف الكاتب

مشاركة :