متى تتعطل لغة الكلام؟ ولماذا؟ ما الذي يقمع الكلمات فتنحشر داخل الحنجرة تغص بها ولا تقوى على لفظها؟ اللحظات التي تتعطل فيها لغة الكلام فتنعقد الألسنة وتنتحر الحروف كثيرة، ليست مقصورة على لحظات تجمع بين حبيبين مأخوذ كل منهما بالآخر!! اللحظات التي تتعطل فيها لغة الكلام عامة تمر بالناس كلهم وليس العشاق وحدهم. وفي لغتنا العربية ألفاظ تصف لحظات وقوع الناس في شلل اللسان وموت الكلمات، مثل قولهم عمن يقع في حرج فيعز عليه النطق: (ألجم) و(أفحم) و(ارتج عليه) و(لم ينطق ببنت شفة) وغيرها من العبارات التي تصف لحظات اغتيال الألفاظ في حلق صاحبها. ما الذي يعطل لغة الكلام؟ وكيف؟ هناك أسباب كثيرة تسهم في ذلك مثل الحزن والخجل والخوف والهيبة والخيبة والذهول والدهشة وما شابهها من حالات تتصل بالجانب الانفعالي عند الإنسان، إلا أن ما يبعث على التعجب هو أن الغضب رغم كونه واحدا من تلك الجوانب الانفعالية، إلا أنه لا ينطبق عليه ما قيل عنها من تعطيل للكلام، فالغضب على عكسها، يفجر طاقة الكلام لدى كثير من الناس بدلا من أن يشلها، فتجد الكلمات تنطلق من بين شفاه الغاضبين متسارعة كالقذائف الملتهبة تلفظها ألسنتهم. ولعل هذا أحد أسرار النفس البشرية التي يعجز الإنسان عن فهمها ويقف طويلا متحيرا أمام تناقضاتها وغموضها!! يصف أحمد شوقي حالته والحبيبة عندما غمرهما ماء الهوى فأغرقهما في أعماقه، كيف غرقت معهما الحروف وابتلع الماء الألفاظ، فما عدت تسمع لهما نأمة، الناجي الوحيد كان بؤبؤ العين الذي بقي سيد الموقف يصول ويجول ينقل الرسائل على رفة الهدب بعد أن انعقدت الألسن (وتعطلت لغة الكلام وخاطبت،، عيني، في لغة الهوى، عيناك). هذا الموقف الحالم الذي يصوره شوقي موقف ناعم مريح قد يتمنى كثيرون أن يكونوا في مثله لما يبثه من مشاعر الجمال والنشوة داخل النفس. لكن تعطل لغة الكلام ليس في كل مرة يكون مرتبطا بالنشوة ينبض بها القلب، فلغة الكلام قد تتعطل بسبب الألم؛ كما في حالة الحزن الشديد الذي يدفع بصاحبه إلى العزوف عن كل شيء بما في ذلك الكلام، أو تتعطل بسبب الذهول عند مواجهة ما لا يصدق أو ما كان بعيدا عن التوقع فيشل التفكير وتخدر الأعصاب فيعتقل اللسان. وفي بعض الأحيان يكون تعطل لغة الكلام متعمدا، غايته الانتقام من الآخر بإغاظته عند تجاهل الرد عليه وإظهار عدم المبالاة بما يقول، وفي أحيان أخرى يكون تعطل لغة الكلام هو أفضل ما يعبر عن الموقف، فيصدق عليه قول: (وربما كان السكوت عن الجواب، جوابا). فاكس 4555483-11
مشاركة :