مطاردة الكويكبات.. مغامرات للبحث عن أصل الحياة

  • 12/28/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إعداد:عبير حسين قبل انتهاء مهمة المركبة روزيتا بعدة أيام، كان العالم على موعد مع مغامرة فضائية جديدة، ومهمة صعبة تشبه رحلة المركبة بعد إطلاق وكالة الفضاء والطيران الأمريكية (ناسا) مطلع سبتمبر/أيلول الماضي بنجاح المركبة الفضائية أوزوريس ريكس في رحلة لجمع عينات من الكويكب بينو (BENNU) ثم العودة إلى الأرض لتكون أول تجربة أمريكية تعود بعينات صخور وتربة من جسم فضائي آملة في تكرار نجاح تجربة المسبار الياباني هايابوسا 1 الذي يعد أول تجربة علمية فضائية نجحت في الحصول على عينات من مذنب. واليوم تعد مطاردة المذنبات والكويكبات أهم المشروعات الفضائية الطموحة التي لا تقل عن أحلام استكشاف المريخ، والعودة إلى القمر، وستكمل أوزوريس ريكس الرحلة التي بدأها هايابوسا 1 وروزيتا إضافة إلى تكاملها مع رحلة هايابوسا 2 التي تسبح بطريقها نحو كويكب ju3 1999 الصغير وهو من النوع c الغني بالمركبات الكربونية. جيمس غرين، مدير قسم علم الكواكب في ناسا، يقول إن مطاردة الأجرام السماوية الصغيرة مثل الكويكبات والمذنبات هي المهمة العلمية الجديرة بالاهتمام، العقد المقبل ، لأن هذه الأجرام ما زالت تحتفظ بالخواص الأساسية لنشأة وتشكّل النظام الشمسي، والحصول على عينات منها سيقدم تفسيراً مهماً لكيفية وجود المياه والأحماض الأمينية الضرورية للحياة على الأرض . ويضيف: على الرغم من أهمية التعرف على كيفية نشأة المجموعة الشمسية ، فإن رحلة المركبات الفضائية المخصصة لهذا الغرض تصطدم بعدة عقبات أهمها تعقيدات وصعوبات بناء المركبات المخصصة لذلك، إضافة إلى صعوبة مطاردة تلك الأجسام التي لا تتجاوزها أبعادها عدة كيلومترات وبجاذبية تكاد تكون منعدمة ، وهو تحد شديد الصعوبة مقارنة بالرحلات السابقة إلى القمر والمريخ. ويقول دانتي لوريتا، عضو فريق عمل المركبة أوزوريس ريكس، وأستاذ علم الكواكب والكيمياء الفلكية بجامعة ولاية أريزونا : بتنفيذ تلك الرحلات الفضائية والتغلب على تحدياتها الفنية الكبرى، يتوقع العلماء توسيع معرفتهم من خلال العينات الملتقطة من الكويكبات والمذنبات، أو المختبرة على أسطحها عن الفترة التي سبقت وعاصرت ولادة النظام الشمسي وتطوره، وعن المراحل الأولية لتشكل الكواكب، وأخيراً تحديد مصادر المياه والمركبات العضوية التي شكلت الحياة على كوكبنا. أقلعت أوزوريس ريكس بنجاح في موعدها المقرر سبتمبر/أيلول الماضي من قاعدة كاب كانفيرال في فلوريدا سابحة في الفضاء في رحلة تستغرق 6 سنوات ، يتوقع خلالها الاقتراب من مدار بينو عام 2018، ثم دراسته لأكثر من عام لتحديد الموقع الذي ستؤخذ منه عينة الصخور . وفي يوليو/ تموز 2020 من المقرر هبوط المركبة الفضائية بحجم سيارة خدمات رياضية ببطء لجمع عدة أرطال من المواد الصخرية وتربة الكويكب بينو . وتغادر المركبة الكويكب 2021 عائدة إلى الأرض، وتنهي رحلتها في سبتمبر/أيلول 2023 بإنزال كبسولة العينات التي ستهبط بمظلة في صحراء ولاية يوتا الأمريكية . عالم الفيزياء الفلكية جيسون دوركين، وأحد أعضاء فريق عمل المركبة يقول: زودت أوزوريس ريكس بمجموعة كاميرات وأجهزة استشعار لدراسة القوى المؤثرة على مدار الكويكب . وتبين أن هذا يمثل تحدياً أكبر بكثير مما توقعنا، لأن قوى أخرى مثل ضغط الإشعاع الشمسي وحتى الانبعاثات الحرارية قبالة الكويكب نفسه ربما تدفع المركبة بعيداً. ويضيف أن البعثة ستمنح رواد الفضاء رؤى جديدة بشأن كيفية تأثير حرارة الشمس على حركة الصخور الفضائية، وهي بيانات حاسمة في حماية الأرض من التصادم مع الكويكبات في المستقبل. ويقول العالم ريتشارد كونس مدير برنامج أوزوريس ريكس في شركة لوكهيد مارتن التي شيدت المركبة: يساورنا قلق كبير حيال كيفية تثبيت المركبة على سطح بينو مع انعدام الجاذبية، كما أنه من الصعب التنبؤ بمسار الكويكب لأن الجاذبية ليست القوة الوحيدة المؤثرة عليه. ويضيف: مع دوران الكويكب، يمتص سطحه الداكن أشعة الشمس ومن ثم يشع حرارة تدفعه مثل صواريخ الدفع، ومع المزيد من المعلومات التفصيلية عن سطحه، سيتمكن العلماء من اختبار نماذج لهذا التأثير على مدار بينو ومن ثم الحكم على مدى التهديد الذي يشكله اقترابه من الأرض. وتحمل المركبة 5 معدات ستشكل مفتاحاً أساسياً في رسم خرائط لسطح بينو وتحليله، وستكون مهمة هذه المعدات حاسمة في اختيار الموقع المناسب لاستخراج العينات بأمان، ومن ثم نقلها إلى الأرض، بحسب مايك دونيللي مدير مشروع أوزريس ريكس من مركز جودارد للطيران الفضائي في ماريلاند والمختص بهندسة الأنظمة. ويشير إلى أن أهم هذه المعدات ستكون مجموعة كاميرات لتصوير الكوكيب يطلق عليها (OCAMS) ومقياس الارتفاع الليزري (OLA) ومهمته مسح الكويكب ورسم خريطة شاملة له واضعاً خرائط طوبوغرافية، فضلاً عن مطياف الانبعاث الحراري (OTES) ومهمته عمل مسوحات لوضع خريطة تبحث للوفرة المعدنية والكيميائية، ويشاركه نفس المهمة مطياف الأشعة المرئية تحت الحمراء (OVIRS) الذي ستدل قياساته على مدى تحديد وجود الماء والمواد العضوية. تأثير ياركوفسكي والاصطدام بالأرض طرح كثير من الناس تساؤلات عن سر اختيار الكويكب بينو كوجهة لرحلة المركبة أوزوريس ريكس، على الرغم من وجود ملايين الأجرام السماوية السابحة في الفضاء، ومن المستقر علمياً أن أي كويكب يملك قطر 500 متر في المتوسط يمكن أن يكون عرضه للاصطدام بالأرض كل 130 ألف عام تقريباً. وهنا تكمن الإجابة في الدراسات الديناميكية التي أجرتها أندريا ميلاني بالتعاون مع عدة مراكز فضائية وأقسام فيزياء فلكية في عدة جامعات عالمية وتوصلت عام 2010 إلى أن بينو هو الكويكب الأكثر احتمالاً للاصطدام بالأرض. وأشارت الدراسة إلى أن الكويكب سيصل أقرب نقطة إلى الأرض في العام 2135، لكنه سيغير مداره ليهدد الأرض بعدها بارتطام مباشر في نهاية القرن ال22 في الفترة بين عامي 2175 و2195. ويدور بينو حول الشمس مرة واحدة كل 1.2 سنة أرضية بسرعة 28 كيلومتر/الثانية ويقترب من الأرض كل 6 سنوات. في كل دورة حول الشمس يقطع الكويكب نحو مليار كيلومتر ويبعد عن كوكب الأرض نحو 340 مليون كيلومتر في أبعد نقطة عن كوكب الأرض. وفي عام 2153 يمر الكويكب بمسافة 300 ألف كم من كوكب الأرض (بين القمر والأرض) لكن من غير المعروف كيف سيتغير مسار المدار بعد هذه الزيارة. وتقدر حالياً نسبة الارتطام في رحلة العودة (2175 - 2195) واحد على 10 آلاف، لكن هذه النسبة ليست دقيقة وذلك بسبب العديد من المتغيرات التي تؤثر على مسار المدار. واحدة من هذه المتغيرات تسمى تأثير ياركوفسكي الذي يعبر عن تأثير أشعة الشمس على مدار الكويكب عن طريق تسخين طرف واحد من الكويكب (الطرف المقابل للشمس) ما يشكل قطبية غير متساوية الحرارة، أي طرف ساخن وآخر بارد. ودوران الكويكب حول نفسه يجعل القسم الساخن في الطرف المعاكس للشمس ما يتيح للحرارة المكتسبة بالانتقال نحو الفضاء . وانتقال الحرارة الساخنة تلك نحو الفضاء له تأثير نفاث على الكويكب ، ما يجعله يغير مساره بشكل كبير مع الوقت . وعلى سبيل المثال رُصد تغير في مسار بينو بسبب تأثير ياركوفسكي بمقدار 160 كيلومتر منذ اكتشافه في عام 1999. بينو ترمز لطائر أسطوري مصري أطلق مايكل بوزيو، الطالب بثانوية إحدى مدارس ولاية كارولينا الشمالية، اسم بينو على الكويكب الجديد عند اكتشافه عام 1999، واعتمد اختياره من بين أكثر من 8 آلاف طالب من عدة دول شاركوا في برنامج اطلق اسماً على الكويكب (Name that asteroid) التابع لجامعة أريزونا. وأشار بوزيو أن الاسم يعود إلى الطائر الأسطوري المصري بينو والذي اعتقد بوزيو أن المركبة الفضائية التي اكتشفت الكويكب تشبهه. استكمال المغامرة اليابانية تكمل المركبة هايابوسا 2 رحلة المركبة السابقة (2003-2010)، وتهدف إلى استكمال ما وصلت إليه الرحلة الأولى من خلال استهداف كويكب آخر (ju3 1999)، ومعالجة نقاط الضعف في الرحلة الأولى. وتستخدم المركبة محركات أيونية حديثة للدفع الفضائي، أكثر قوة بنحو 20% من سابقتها، وتكنولوجيا للملاحة والتوجيه وهوائيات وأنظمة تحكم في الارتفاعات جديدة وأكثر تطورًا. ومن المتوقع أن تصل مركبة الفضاء إلى هدفها في يوليو/ تموز 2018، لتمسح الكويكب لمدة عام ونصف العام، قبل أن تهبط عليه 3 مرات، وتجمع العينات المطلوبة، ثم تغادره في ديسمبر/ كانون أول 2019، لتعود إلى الأرض في العام التالي.

مشاركة :