النسخة: الورقية - دولي واضح لمن يتابع أخبار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية أن جلَّ اهتمام الولايات المتحدة الأميركية ووزير خارجيتها جون كيري ينحصر في تحقيق «اختراق» شكلي هو تمديد تلك المفاوضات، أي ترحيل الإعلان عن فشلها إلى أجل غير مسمّى. وزير الخارجية كيري يسعى لتحقيق ذلك بعد أن منح الإسرائيليين «الجائزة الكبرى» بتوافقه معهم على ضرورة أن يعترف الفلسطينيون رسمياً بإسرائيل دولة يهودية. لا يريد كيري أن يرى مأزق المفاوضات إلا باعتباره مأزقاً «تقنياً» يحتاج لمزيد من جلسات التفاوض (التي تتخللها جولات الضغط على الطرف الفلسطيني)، بل إن الرؤية الأميركية للحل باتت بالغة الوضوح، وهي تقوم على التمسك بشكليات حل الدولتين من دون مضمونه وأسسه الحقيقية. الإدارة الأميركية لا تزال «تتمسك» بحل الدولتين. نعم، لكنها بقليل من التأمل تدعو لإقامة دولة فلسطينية ما، ليست بالتأكيد تلك التي تقوم على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، فلا الضفة الغربية هي تلك الضفة «القديمة»، ولا مدينة القدس تشبه تلك التي دخلتها الدبابات الإسرائيلية، ولو أن الضفة والقدس الجديدتين لا زالتا من وجهة النظر الرســـمية الأميــركية قابلتين للتقديم باعتبارهما «الضفة الغربية وعاصمتها القدس» كما يطالب الفلسطينيون في برنامجهم السياسي وفي مطالبتهم الدولية. هي حالة لا نعتقد أنها قابلة للتعديل في ظل الظروف الراهنة وما ترتبه من موازين قوى عسكرية وسياسية، وربما إنطلاقا من هذه الحقيقة بالذات يضيف مأزق المفاوضات الراهن مزيدا من الوضوح لحقيقة أن البحث عن تسوية «عادلة» للصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا يعدو أن يكون مضيعة للوقت والجهد، أو أن يكون تنازلاً فادحاً عن أهم وأبرز شروط التسوية العادلة أو شبه العادلة. ليست المسألة هنا ضعف الطرف الفلسطيني (على رغم واقعية هذه الحقيقة)، لكنها أيضاً بل وأساساً غياب الرافعة العربية والدولية التي يمكنها أن تمنح الحق الفلسطيني شيئاً من الفاعلية يمكنه أن يعطي مساعي التسوية السلمية بعضاً من القدرة على التغيير وإحداث اختراق حقيقي في مواجهة الصلف الإسرائيلي الذي يجد نفسه ببساطة غير مضطر لتقديم ما يعتبره «تنازلات مؤلمة»، أي في تلك القضايا الرئيسية التي تشكل جوهر قضية فلسطين. نقول ذلك انطلاقا من فكرة تتعاكس بالضرورة مع الرؤية الأميركية التي يمكن أن تكون ناجحة في تحقيق تسوية قادرة على «إيواء» الفلسطينيين وإغاثتهم، أي التعامل مع قضيتهم بوصفها قضية إنسانية ليس إلا. لا تتجاوز السياسة الأميركية في الموضوع الفلسطيني هذا الشق الإنساني، ولكنها لا تزال تصرّ على تجنب الدخول إلى جوهره السياسي والحقيقي الذي يختلف بالتأكيد والذي هو حتى اليوم المأساة السياسية والإنسانية الأكبر والأشد تعقيداً في العالم. هنا بالذات تبرز الحاجة الجدية لما نسميه الرافعة العربية والدولية والتي تتجاوز حالة التضامن السياسي والإعلامي مع الحقوق الفلسطينية إلى حالة أخرى مختلفة تماماً تنجح في تشكيل أداة ضغط عربية – دولية تستطيع أن تمنح الحق الفلسطيني ما يتجاوز طابعه الأخلاقي وحتى السياسي إلى الاعتراف بهذا الحق باعتباره أحد شروط تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة والعالم. عالم اليوم يحتاج أكثر من الخطابات السياسية وحتى الحملات الإعلامية، والتي إن حققت شيئاً إلا أنها غير قادرة على تحقيق المطلوب، والذي يحتاج إلى تحالف مصالح سياسية واقتصادية يمكن أن يضع قوى سياسية مؤثرة في موقع الدفع بالقدرة الفلسطينية نحو أفق أكثر رحابة. أما من دون ذلك فليس سوى الدوران المتكرر في طاحونة الهواء المفرغة من أي مضامين حقيقية. * كاتب فلسطيني
مشاركة :