لم يخطر على بال جوزيب البالغ من العمر 59 عاما قط أنه قد يفقد وظيفته في شركة كودورنيو، حتى في الوقت الذي كانت فيه الشركة تستعد لبيع الأعمال المملوكة للعائلة إلى صندوق استحواذ أمريكي. جوزيب بايود كيوتو عمل في واحدة من أقدم الشركات في إسبانيا لعقود، على غرار والده من قبله. لذلك عندما وصل إشعار فصله من العمل قبل أكثر من عام بقليل "بدا الأمر كأنه طلاق"، كما يقول بايود كيوتو الذي يجلس في مقهى في بلدة سانت سادورني دي أنويا في كاتالونيا، حيث كان المقر الرئيسي لشركة كودورنيو على مدى 500 عام، مضيفا "أخشى أنني لن أكون الأخير". كانت وظيفته ضمن 100 وظيفة – سدس إجمالي القوة العاملة – التي تم إلغاؤها في عام 2017، في الوقت الذي بدأت فيه شركة كودورنيو التفاوض على عملية البيع بقيمة 390 مليون يورو، مدفوعة بانخفاض المبيعات وقلق المساهمين إلى مجموعة كارلايل القائمة في الولايات المتحدة. على الرغم من أن فقدان الوظائف سبق إكمال صفقة مجموعة كارلايل، إلا أنها أثارت مخاوف بحدوث مزيد من الاستغناء عن العاملين في البلدة، التي يعتمد سكانها البالغ عددهم 13 ألف نسمة على نشاط الشركة لكسب الرزق. تداعيات فقدان الوظائف سلطت أيضا ضوءا غير مريح، على دور شركات الأسهم الخاصة المتزايد في صناعة الصفقات في إسبانيا. في الأشهر التسعة الأولى من عام 2018، استثمرت صناديق الأسهم الخاصة الأجنبية مبلغا قياسيا هو 4.35 مليار يورو في إسبانيا – وذلك وفقا لتحليل أجرته الجمعية الإسبانية لرأس المال المغامر والأسهم الخاصة. في بعض الأوساط، هذا الاستثمار يثير القلق حول توسع ما يعتبره النقاد شكلا لا يرحم من أشكال الرأسمالية. وفقا للجمعية، ارتفع عدد الصناديق الدولية - بعضها لديه مليارات الدولارات تحت الإدارة - التي تعمل في إسبانيا من 157 في عام 2016 إلى 184 في عام 2017. شركات برميرا وبي سي بارتنرز وسينفين وكيه كيه آر، أبرمت جميعا صفقات في إسبانيا في الآونة الأخيرة على خلفية الانتعاش الاقتصادي. يقول ليونيل أسانت، الرئيس الأوروبي للأسهم الخاصة في مجموعة الاستحواذ الأمريكية بلاكستون، التي سيطرت أخيرا على مجموعة سيرسا للألعاب "إسبانيا مكان جذاب للاستثمار. لقد حققت نموا أكثر من معظم بلدان منطقة اليورو الأخرى خلال الأعوام القليلة الماضية، على خلفية الإصلاحات الهيكلية التي تعهدت بها البلاد، ونتوقع أن يستمر معدل النمو الصحي هذا". في العام الماضي، اشترى صندوق سي في سي CVC القائم في لوكسمبورج، وهو أحد أكبر صناديق الاستحواذ في أوروبا، حصة بنسبة 20 في المائة في شركة فينوسا للغاز الطبيعي من شركة الطاقة الإسبانية ريبسول، في صفقة بقيمة 3.82 مليار يورو. كانت الشركة تعتزم منذ مدة تسريح 1400 موظف على مستوى العالم كجزء من إعادة هيكلة أوسع لتوفير 538 مليون يورو، على أنه منذ إبرام الصفقة فإن الشركة التي أعيدت تسميتها بـ "ناتورجي"، وسرحت 800 موظف من خلال تسريح اختياري، أي أكثر من الوظائف الـ 300 التي كانت مقررة في عام 2018. شركة ناتورجي هي الآن أقلية مملوكة من قِبل الشركة القابضة الإسبانية كريتيريا كايكسا، التي تملك 24 في المائة من أسهمهما. أما صندوق جلوبال إنفراستراكتشر بارتنرز للأسهم الخاصة القائم في نيويورك، فيملك نسبة أخرى تبلغ 20 في المائة. المخاوف ليست في شركة ناتورجي فحسب، حيث يخشى العاملون في جميع أنحاء إسبانيا مالتأثير الذي قد تحدثه هذه المجموعات على وظائفهم. مجموعات الأسهم الخاصة يغلب عليها أن تكسب المال من خلال شراء الشركات، بتحسين كفاءتها من خلال خفض الوظائف في المجالات ذات الأداء الضعيف، والاستحواذ على شركات أصغر لدمجها بهدف بيع الشركة مقابل ربح بعد عامين أو ثلاثة أعوام في المستقبل. يقول توني بريتو، الأمين العام للنقابة العمالية التي تضم 117 ألف عضو وموظف قديم في شركة ناتورجي "هذه التخفيضات وسيلة لتوليد قيمة أكبر للمساهمين، لكننا نفقد ثقافتنا ببطء. بعد التسريح الاختياري أصبح الولاء للشركة ضعيفا". إسبانيا ليست أول بلد تظهر فيه مشاعر متناقضة نحو صناديق الأسهم الخاصة. شبّه مراقبو الصناعة رد الفعل العدائي في إسبانيا بذلك الذي كان في ألمانيا قبل أكثر من عقد من الزمن، عندما شبه رئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي الحاكم في ذلك الحين، المستثمرين الماليين بـ "طاعون الجراد" الذين يهجمون من أجل تجريد الشركات من الأصول، وخفض الوظائف لتحقيق أرباح سريعة. مثل هذه الشكوك حادة في إسبانيا البلد الذي تضرر من الأزمة المالية. في ذروة الركود في عام 2013 سجلت إسبانيا واحدا من أسوأ معدلات البطالة في الاتحاد الأوروبي، حيث كان نحو نصف الشباب بدون وظيفة. وكان التراجع العميق بالدرجة الأولى نتيجة انهيار سوق العقارات المحلية والفوضى في النظام المالي. تتمتع إسبانيا الآن ببعض من معدلات النمو الأكثر صحة في الاتحاد الأوروبي. من المتوقع أن ينخفض معدل البطالة إلى 13.3 في المائة بحلول العام المقبل – لا يزال عاليا باعتبار أنه يبلغ نحو ضعف متوسط معدل النمو في الاتحاد الأوروبي، لكنه أقل من نسبة 16 في المائة في عام 2017 – التي اقتربت من المعدل الذي كان سائدا قبل الأزمة في 2008. إصلاحات العمل التي تعود إلى عام 2012 وإصلاح النظام المصرفي كانت بمنزلة عوامل مساعدة لصناعة الصفقات، وذلك وفقا لعدد من التنفيذيين في مجال الأسهم الخاصة في البلاد. يقول ميجيل زوريتا، رئيس الجمعية الإسبانية لرأس المال المغامر والأسهم الخاصة "لعدة أعوام كانت إسبانيا هي المكان الذي يتجنبه المستثمرون، لأننا لم نكن نتمتع بانتعاش كما فعلت بلدان أخرى في أوروبا. في مرحلة ما، كان هناك حديث عن خروج إسبانيا من منطقة اليورو، وأرقام معدلات بطالة كانت مثيرة جدا للقلق. حينها كان من المستحيل تبرير أي استثمار في البلاد". في حين إن هناك لاعبين محليين في مجال الأسهم الخاصة، إلا أن الصناديق الخارجية شنت غزوات قوية لا يستهان بها. يقول زوريتا، وهو أيضا شريك منتدب في شركة ألتامار كابيتال بارتنرز، "إنها الآن وجهة جذابة". يضيف زوريتا أن "تخفيف قوانين العمل هو ما يجعل من السهل أكثر توظيف وتسريح الموظفين، وهو وضع كان جذابا بشكل خاص لصناديق الاستحواذ". "كمستثمر، أنت تفضل الاستثمار في مكان تتمتع فيه بالقدرة على التكيف مع السوق والعمالة، فهما عنصران مهمان"، وفقما أضاف. مع ذلك، يؤكد أن مجموعات الاستحواذ لا تعمد إلى "الشراء وفي ذهنها فكرة تقليص الوظائف"، لكنها تريد "أن يكون لديها في المقابل ذلك الخيار". إنياكي إيكيف، الرئيس السابق لشركة بلاكستون في إسبانيا، يعتقد أن زيادة الإقراض من قِبل المصارف المحلية والعالمية، أمر حاسم بالنسبة إلى المستثمرين الأجانب "كانت المصارف إما غير قادرة على الإقراض أو غير راغبة فيه. إصلاح النظام المالي في إسبانيا كان أكثر شمولا وعمقا من أي مكان آخر في القارة". ويُضيف أن "هذا أدى إلى إتاحة مزيد من القروض لتمويل الصفقات. تقول شركة ستاندرد آند بورز جلوبال ماركيتس إنتيليجنس "إنه تم إقراض 4.36 مليار يورو في 2017، بارتفاع من 700 مليون يورو قبل عامين"، وذلك وفقا للبيانات الصادرة عن شركة إل سي دي LCD. أكبر شركة لتشغيل الكازينوهات في إسبانيا تدير أيضا آلافا من صالات البينجو. الشركة التي طالما كانت تعتبر مقياسا جيدا لثقة المستهلكين، كانت إيراداتها هي الأكثر تضررا في ذروة الأزمة المالية، لكنها انتعشت منذ ذلك الحين. شركة بلاكستون التي اشترت 100 في المائة من شركة سيرسا، وقفت في وجه بعض من أكبر الأسماء في مجال الأسهم الخاصة، بما في ذلك شركة أبولو جلوبال مانيجمنت، لتأمين الصفقة. الاقتصاد المتنامي – زاد الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3 في المائة في 2017 – ليس العامل الوحيد الذي يحرك استثمار الأسهم الخاصة. المخاوف بشأن "بريكست" حولت الانتباه إلى الشركات في إسبانيا. أما مجموعات مثل سي في سي CVC وكارلايل وأبولو فقد جمعت أيضا أكبر أموالها على الإطلاق. تزدهر الأسهم الخاصة بفضل النقود ليس في إسبانيا فحسب، بل في أوروبا أيضا فضلا عن الولايات المتحدة، حيث تم في العام الماضي إجراء أكبر الصفقات منذ الأزمة المالية. مجموعات الأسهم الخاصة أثرت في الآونة الأخيرة ي شكل بعض من أكبر الشركات في العالم – من يونيليفر في أوروبا إلى تومسون رويترز في الولايات المتحدة – من خلال نشر مليارات على شكل قروض، وتوظيف ملايين الأشخاص في أنحاء العالم كافة. هذا النشاط المحموم يثير ردود فعل عنيفة في إسبانيا، حيث يصف البعض مجموعات الاستحواذ بأنها مجرد هجمة أصحاب أموال جشعة وطماعة تتطلع إلى استغلال الطفرة الاقتصادية الأخيرة، دون التفكير في مستقبل هذه الشركات وموظفيها على المدى الطويل. كما هي الحال في الصفقات الكبيرة الأخرى في الآونة الأخيرة، فإن المنافسة للحصول على بنك أولفندرز Allfunds Bank كانت خاضعة لمعركة مزايدة مكثفة بين مجموعة من المشترين الأجانب، الذين كانوا يتنافسون لشراء أصول كانت فيما مضى تخضع لسيطرة جزئية من قبل المجموعة المصرفية الإسبانية سانتاندر. من بين المزايدين كانت مجموعة الاستثمار الصينية ليجيند، وشركتي أدفينت إنترناشيونال، وبرميرا. شركة هيلمان آند فريدمان وصندوق الثروة السيادية السنغافوري جي آي سي، فازا على خلفية الاعتراض على أن تكون المالكة شركة صينية. هذه الصورة للقطاع المالي في إسبانيا ظهرت خلال الأزمة المالية في البلاد عندما راهن المستثمرون المتعثرون – خاصة صناديق التحوّط – ضد الاقتصاد الإسباني المضطرب. بعض هؤلاء حققوا أرباحا سريعة من خلال شراء شركات بسعر منخفض، وبيع أصول بسعر مرتفع بعد انهيار قطاع العقارات. يقول إيكيف "نحن لم نعد في محنة الآن، لكن أفعالهم أوجدت بعض الضوضاء. هؤلاء المستثمرون انتقلوا إلى أماكن أخرى، إلا أن مجموعات الأسهم الخاصة موجودة على المدى الطويل". التغطية الإعلامية السلبية حول صفقات الأسهم الخاصة في الخارج لاحقت القطاع في إسبانيا، كما يقول لودوفيتش فاليبو، أستاذ المالية في كلية سعيد للأعمال في جامعة أكسفورد، ومؤلف كتاب "تعرية الأسهم الخاصة"، "هناك شعور بالإلحاح تجلبه صناديق الأسهم الخاصة معها. الناس يعرفون هذا، وذلك يثير قلقهم في بداية أي استثمار". وهو يسلط الضوء على مقالة نشرتها صحيفة واشنطن بوست أخيرا تتهم شركة كارلايل التي اشترت شركة كودورنيو، بوضع الاعتبارات المالية قبل تقديم الرعاية للمرضى في دار لرعاية المسنين، استحوذت عليها في بنسلفانيا. وقالت شركة كارلايل "إن جودة الرعاية في تلك المنشأة لم تتأثر بالاعتبارات المالية". يقول الأستاذ فاليبو "إذا فتحت أي صحيفة فستجد دليلا على صورة سيئة لمجموعات الأسهم الخاصة. إنها أكبر مثال على النسخة الخالصة من الرأسمالية، وهدفها المطلق هو كسب المال. إنها لا تهتم بشأن كثير من الأشياء الأخرى، وهذا هو المكان الذي يأتي منه التوتر مع بقية المجتمع". كانت هذه الصفقة رهانا على نمو الطلب السياحي في إسبانيا. الإنفاق السياحي الفردي كان يزيد كل عام منذ عام 2012 وفقا لعدة محللين، ومن المرجح أن ينمو أكثر جزئيا بفضل المتاعب في وجهات العطلات في الشرق الأوسط وإفريقيا. الاستحواذ على "هوتلبيدز" Hotelbeds التي تبيع الغرف لوكلاء السفر ومنظمي الرحلات السياحية، هو مثال على طريقة رصد المشترين من شركات الأسهم الخاصة هذه الفرصة. ويقال "إن الصندوق السويدي إي كيو تي EQT كان مهتما أيضا بشراء الشركة".
مشاركة :