الأفلام السينمائية المستوحاة من ألعاب الفيديو عادةً ما تكون ذات مستوى فني ردئ، فإن فيلم "عقيدة القاتل المحترف" يتفرد عنها بسبب ما يتضمنه من ترويع، ومزاعم أيضاً؛ كما يقول الناقد السينمائي نيكولاس باربر. قد لا يكون ذلك مفاجئاً بشدة بالنظر إلى أن غالبية الأفلام المأخوذة من تلك الألعاب لا تتسم بمستوى فني راقٍ، ولكن فيلمنا هذه المرة ليس عملاً زهيد التكلفة يحاول استغلال النجاح التجاري للعبة التي استوحى قصته منها، مثل الكثير من تلك الأعمال. فبجديته وطابعه غير التقليدي، وبفعل ما خُصص لإنتاجه من أموال طائلة، يكتسي "عقيدة القاتل المحترف" بطابع متجهم، كذلك الذي يميز مشروعاً يُعتقد أنه سيصبح تحفةً فنيةً شديدة الرقي. هذا الفيلم للمخرج المشهود له بالبراعة جاستن كرزل، الذي خاض فيلمه المفعم بالإثارة "ماكبث" المنافسة في مهرجان كان السينمائي العام الماضي. ويشارك في "عقيدة القاتل المحترف" من نجوم الصف الأول كل من مايكل فاسبندر، وماريون كوتيار، اللذان شاركا في "ماكبث" كذلك. ويبدو واضحاً أن هؤلاء جميعاً يأخذون العمل - الذي تتسم مادته الخام بطابعٍ سخيفٍ ومضحك - على محمل الجد وبشدة. فالتجهم والجدية يرتسمان على ملامح فاسبندر وكوتيار، تماما كما كانا خلال مشاركتهما في المأساة الشكسبيرية سابقاً. أما كرزل فقد صاغ في سياق إخراجه للعمل كل ضروب سحر وغرابة الخيال العلمي بكآبة وإبداع. لكن من المؤكد أن جميع من شاركوا في هذا الفيلم قد أدركوا عند اكتمال تنفيذه، أن مستواه الفني أقل بكثير مما كانوا يضعونه في أذهانهم في بادئ الأمر، رغم الجهود الكبيرة التي بذلوها في هذا الشأن. الأمر هنا يشبه إنتاج نسخة جديدة من فيلم "ماتريكس" يخرجها تيري غيليام، لكن كتابة السيناريو والحوار الخاص بها تُوكل إلى طفلٍ في الخامسة، بينما تُسند مهام إعدادها فنياً إلى شمبانزي. فحماقة المخرج تقوده إلى أن يستهل فيلمه ببداية مترددة وغامضة بشكل يجلب الشؤم، تدور أحداثها - غير المرتبطة ببعضها البعض ولو ظاهرياً - في ثلاث حقب زمنية. وتشكل إسبانيا عام 1492 مسرحاً لأولى هذه البدايات (لتخمن هنا هوية الرحالة الإيطالي الذي يظهر فجأة في الأحداث). في ذلك الزمن البعيد، نرى فاسبندر وهو يجسد شخصية "أغيلار"، ذاك الشاب الذي يُعد للانضمام إلى عصبة سرية تضم القتلة المحترفين ذوي القلنسوات، ويُطلق عليها اسم "القتلة المحترفون " أو "الحشاشين"؛ وهو اسم مبتكر بحق! ومن بين أهم طقوس الانضمام إلى هذه الجماعة قطع أحد أصابعك لئلا يعترض طريق سكين تُربط إلى معصمك. فكرةٌ معتوهةٌ من هذا القبيل يمكن التسامح معها إذا ما وردت في إحدى ألعاب الفيديو أو في فيلم من أفلام الحركة من المعروف مسبقاً أنه تافه، ولكن من المحرج بحق أن ترد في فيلم يبدو واعداً كـ"عقيدة القاتل المحترف". أحداث البداية الثانية للفيلم تجري في عام 1986، بظهور صبي يُدعى "كال لينش"، وهو يمارس بعض أعاجيب وفنون ركوب الدراجات والتسابق بها في مضمارٍ مترب وقذر. Image copyright 20th Century Fox Image caption الممثلة ماريون كوتيار في دور صوفيا التي أنقذت شخصية "كال" التي يجسدها الممثل مايكل فاسبندر، من حكمٍ بالإعدام وهنا نرى المحاولة الأولى والأخيرة من صناع العمل لإضفاء طابعٍ إنساني على بطله. أما البداية الثالثة فتدور في 2016، لنرى "كال" (ويجسد فاسبندر شخصيته) قابعاً في سجن بولاية تكساس الأمريكية في انتظار إعدامٍ وشيك بعدما اقترف جريمة قتل. لكن لا تنفر من ذلك، فمن همهمات القاتل نفهم أن ضحيته لم يكن سوى "قواد"، وهو ما يُفترض أن يحدو بنا إلى اعتبار "كال" بمثابة بطل. ولسببٍ ما لا تؤدي الحقنة القاتلة دورها للأسف، ليستيقظ "كال" في مخبأ أشبه بذاك الذي تتخذه عادةً الشخصية الشريرة الرئيسية في أفلام جيمس بوند، وهو هنا عبارة عن مجمع ٍذي طابعٍ شبه عسكري، يبدو كما لو كان كهفاً، وتوجد فيه جدرانٌ خرسانية ذات زوايا غريبة من نوعها، بينما يجوبه عددٌ غفيرٌ من الحراس الذين يرتدون زياً موحداً وأنيقاً. وبعكس غالبية مخابئ أشرار أفلام "بوند"، لا يقبع هذا المخبأ في جوف بركان، وإنما يجثم على قمة جبل يُطل على العاصمة الإسبانية مدريد. ولعل بوسعنا التساؤل هنا عما يظنه سكان هذه المنطقة بشأن طبيعة هذا المكان؛ فهل تناهى إلى مسامعهم مثلاً أنه يضم مقر "منظمة خاصة كرست نفسها للسعي من أجل تحقيق الكمال للجنس البشري"؟ أو أنهم سعداء بما يوفره لهم ذلك المكان من فرص عملٍ وفيرةً للراغبين منهم في العمل كحراس؟ على أي حال، تُنقذ حياة "كال" على يد كبيرة العلماء في هذه المنظمة، وهي فتاة تُدعى "صوفيا ريكين" وتجسد كوتيار شخصيتها. ولكن لا تسألني عن كيفية قيامها بذلك. فكل ما أوضحته في هذا الصدد أن إنقاذها لـ"كال" من الموت، يعود إلى كونه قادراً على تحديد موقع "تفاحة عدن"، وهي في حقيقة الأمر ليست تفاحةً حقيقية وإنما كرةً معدنية قديمة تحتوي على "الشفرة الوراثية للإرادة الحرة". إذا بدا لك ما سبق سخيفاً، فما الذي ستقوله إذاً بشأن ما يرويه الفيلم حول كون هذه "التفاحة" مفقودةً منذ عام 1492، وهو ما يعني أن شخصياته التي تحيا في القرن الحادي والعشرين تؤمن بأن الشخصيات التي عاشت في القرن الخامس عشر، كانت تعرف كل شيء عن "الحمض النووي". ما رأيكم إذاً في براعة مثل هذه الافتراضات؟ مستوى تالٍ وهنا توضح صوفيا أن "كال" ينحدر من سلالة "القاتل المحترف" الذي التقينا به في بداية الفيلم. ورغم صلة القرابة البعيدة بينهما، فإن التركيبة الجينية لكليهما شديدة التشابه على ما يبدو، إلى حد أنه سيكون بوسع "كال" استعادة كل ما فعله "أغيلار"، ومن ثم إرشاد صوفيا وزملائها بشكل ما إلى مكان "التفاحة"، بمجرد وصله بجهاز آلي ابتكرته هذه العالمة. وينتمي الجهاز - الذي يُطلق عليه اسم "أنيموس" - إلى ما يُعرف بـ"آلات الواقع الافتراضي"، ويُمَكِنُ بطلنا من استرجاع أحداث حياة "أغيلار" السابقة. لكن هذه الفرضية الملتوية والمعقدة، تجعل أحداث الفيلم - التي ستجري من الآن فصاعداً في حقبتين زمنيتين مختلفتين - تتسم بطابعٍ غبي ومضجر، وغير متماسك. ففي الجزء الخاص بالأحداث المعاصرة، سنرى "كال" وهو يتسكع في أنحاءٍ مختلفة من المجمع، منصتاً إلى كلماتٍ أشبه بالهراء تتلوها عليه صوفيا ووالدها جيريمي آيرونز (الذي يشارك في العمل لأهدافٍ مادية محضة على ما يبدو). Image copyright Getty Images Image caption المخرج جاستن كرزل (يمين)، وأبطال الفيلم، الممثلة ماريون كوتيار، والممثل مايكل فاسبندر أما في الجزء الذي تدور أحداثه في الماضي في أجواء تذكرك بـ"روبن هود"، فنشاهد "أغيلار" وهو يحارب فرسان الهيكل، باستخدام الكثير من فنون الألعاب القتالية المتعلقة بالدفاع عن النفس، وكذلك تقنيات رياضة "الباركور"، وهي فنونٌ وتقنياتٌ لا يربط المرء عادةً بينها وبين ما كان سائداً في إسبانيا خلال عصر النهضة. ورغم أن لديّ تحفظاتي على مدى جاذبية هذه المشاهد الحافلة بالألعاب البهلوانية، فإنها ربما كانت ستصبح ممتعةً للمشاهدين، لولا ما غشاها من سحب دخانٍ حجبتها تقريباً عن الأنظار، وما شابها من تقطعٍ شديد بفعل مونتاج ذي طابع سريع ومحموم. فالمشكلة أنه لم تُقدم لنا كمشاهدين أيُ خلفياتٍ من أي نوع تدعونا للاكتراث بما يجري أمامنا على الشاشة. فنحن لا نعلم شيئاً تقريباً عن "كال" أو "أغيلار"، أو عن المنظمة التي تعمل "صوفيا" لحسابها، أو عن والدها أو عن الأشخاص الآخرين الموجودين في المجمع، أو عن طبيعة ما تستطيع "التفاحة" القيام به تحديداً. كما أننا لا نعلم شيئاً عن عصبة القتلة المحترفين، أو عن السبب الذي يدعو أعضاءها لكي يتقبلوا بارتياح قطع أصابعهم للانضمام إليها. الأسوأ من ذلك أن الفيلم يهدر فرصة اغتنام أي فكرة مثيرة للاهتمام، تظهر هنا أو هناك خلال أحداثه. فمثلاً، يُصوّر المقاتلون المسيحيون الذين يستعيدون السيطرة على الأندلس على أنهم أشرارٌ متعصبون، بينما يُقدم المسلمون من سكان هذه المنطقة على أنهم الفتية الصالحون، وهو أمرٌ غير معهود بالقطع في فيلمٍ سينمائي كبير من إنتاج هوليوود. كما يتضمن العمل حديثاً ما عن أن القتلة المحترفين الذين يظهرون فيه ما هم إلا مدافعون عن الحق في "الاحتجاج والمعارضة"، وهي فكرةٌ ربما تكون لها صلةٌ ما - من الوجهة النظرية - بأمورٍ نشهدها حالياً في حياتنا المعاصرة. رغم ذلك، فلا تتوقع من فيلم "عقيدة القاتل المحترف" أن يتحدث عن أي شيء يتسم بالجراءة من الوجهة السياسية. فمع كل الطابع الجاد والناقم على الدوام الذي يكتسي به هذا العمل، فإنه يكرس للحديث عن الطعام الذي يُقدم في مقصف المجمع الذي يقيم فيه الأبطال، قدراً أكبر من الحوار، مُقارنةً بذاك الذي يخصصه لتناول أوضاع العالم. وبوسعنا افتراض أن المخرج كرزل كان يأمل في تقديم جزءٍ ثانٍ لفيلمه هذا، يستكشف من خلاله المزيد من الأفكار والموضوعات المتعلقة بلعبة "عقيدة القاتل المحترف". فنهاية العمل لا تبدو مألوفةً أو مُتعارفاً عليها. فبمجرد أن يبدو أن حبكته باتت ربما على وشك التجسد أمامنا على الشاشة أخيراً، يقرر صناع الفيلم التنصل من الأمر برمته عبر مشهدٍ مفاجئ يُصنّف سينمائياً في إطار ما يُعرف بـ"مشاهد عكس الذروة"، يتلوه مشهدٌ ختاميٌ كان يمكن أن يُرفق بعبارة "يُتبع". ورغم ذلك، لا يبدو أن ثمة فرصاً تُذكر - في واقع الأمر - لأن يقدم كرزل جزءاً ثانياً مُتَمِماً لهذا الفيلم. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Culture .
مشاركة :