الموسيقى.. تغذية لحواس الطفل وتنمية لقدراته العقلية

  • 12/29/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تحقيق: مها عادل قديماً في منتصف القرن الماضي كان تعليم الموسيقى للأبناء مظهراً من مظاهر الأرستقراطية والرقي ومنحى تتباهى به الأسرة، ودليلاً على ثقافتها ووعيها، وكان هناك حرص كبير على تعليم الفتيات والفتيان العزف من خلال دروس منزلية متخصصة، كما كان مشهد وجود آلة البيانو ضمن أثاث المنزل قاسماً مشتركاً في معظم أفلامنا العربية القديمة التي توضح إلى أي مدى كانت قدرات الأبناء ومهارتهم في العزف مصدر تفاخر للأسرة أمام الضيوف في الحفلات والتجمعات. للأسف في وقتنا الحالي أصبحنا نشاهد تراجعاً كبيراً على مستوى الأسرة والمدرسة في الاهتمام بتعليم الموسيقى تصل في أحيان كثيرة لاعتبارها إهداراً لوقت الأبناء أو رفاهية، وتعتبرها بعض المدارس مادة أقل أهمية من المناهج الأخرى فتلغى أو تحل محلها مواد أخرى. وعلى الرغم من هذا التراجع، فإنه لا يمنع وجود مراكز متخصصة أخذت على عاتقها مسؤولية اكتشاف مواهب الأطفال وتنميتها، ومنح فرص مواتية لأولياء الأمور الراغبين في إثراء وجدان وثقافة أبنائهم بالفنون. مركز الجليلة في دبي واحد من أهم هذه المراكز المتخصصة بتنمية مواهب الأطفال في مختلف أنواع الفنون والمهارات المختلفة من المسرح والرسم والموسيقى والنحت والتفصيل والخزف. تجولنا في المركز والتقينا مجموعة من أساتذة الموسيقى للتعرف عن كثب إلى أهمية دورهم في تغيير حياة هؤلاء الأطفال. تالا توتنجي، معلمة البيانو في المركز والحاصلة على درجة الماجستير في العزف على البيانو من إنجلترا، تقول: بدأت قصتي مع البيانو منذ عمر الخامسة وكنت وقتها أعيش مع أسرتي بالأردن حيث ذهبت مع أقاربي لحضور درس موسيقى وأحببت تعلم الموسيقى ولكنني مررت بخبرة سيئة مع المدرس إذ عنفني وقال لي إنني لا أصلح لدراسة الموسيقى. ولكن عند عمر التاسعة اشتدت رغبتي في التعلم إذ كانت جدتي عازفة كمان ومصدر بهجة للأسرة ومثلاً أعلى لنا جميعاً، كما كانت أمي تخاطبنا بالموسيقى وتلحن لنا دروس الشعر والمحفوظات، وأبي كان يحب سماع الموسيقى الكلاسيكية في البيت، فالبيئة من حولي كانت داعمة لحب الموسيقى ومشجعة عليها وأعتبر نفسي محظوظة بسبب ذلك. تضيف: أسعدني الحظ أكثر حين أصبحت أدرس الموسيقى للأطفال، فهي تعطيهم طاقة إيجابية هائلة، وأثبتت الدراسات أن معدل ذكاء الطفل يزيد بنسبة تصل إلى 25% إذا تعلم الموسيقى من سن 5 إلى 10 سنوات، كما أن النغمات بها متواليات تكرارية تصدر ذبذبات تعمل على ربط الجزء الأيمن من المخ، المسؤول عن المنطق، بالجزء الأيسر المسؤول عن الخيال، والترابط بينهما يرفع من نسب الإدراك لدى الصغار، فالموسيقى تجربة متكاملة يستخدم فيها الطفل كل حواسه فيستخدم عقله وعينيه في التقاط وقراءة النوتة وأذنه في أن يتلقى اللحن بشكل جيد وأصابعه للعزف، لذا فهي تجربة متكاملة تغذي كل حواس الطفل وتنبه ذهنه وقدراته العقلية وتهذب سلوكه وتعلمه الالتزام والنظام. وعن أعمار وجنسيات الأطفال الذين يحصلون على التدريبات تقول توتنجي: لدينا أطفال من كل الأعمار والجنسيات، واهتمام الأهل ووعيهم هو كلمة السر في اكتشاف موهبة الطفل ودعمهم له، لذلك أنصح الأهل دائماً بمتابعة أبنائهم منذ الصغر فيجب أن يعودوهم على سماع الموسيقى. وتؤكد توتنجي أن من الضروري أن تهتم الأسرة بتعليم أطفالها الموسيقى العربية والغربية على حد سواء، فهي تزيد من ذكاء الطفل وقدراته العقلية، وتشدد على ضرورة أن يعي الأهل أن تعليم الموسيقى ليس من الكماليات أو رفاهية ولكنها جزء مهم من ثقافة الطفل يجب تنميتها، فالموسيقى حضارة ورقي. أيهم أبو عمار من سوريا، اختصاصي غناء عربي وعود وخريج معهد الموسيقى العربية بسوريا، يتحدث عن العمر المناسب لكي يبدأ الطفل تعلم العزف على آلة العود، فيقول: لا نستطيع أن نبدأ في سن صغيرة جداً وإنما يجب أن يكون الطفل بلغ السابعة من العمر على الأقل حتى تكون أصابعه أصبحت أقوى ويصبح هو أقدر على التحكم بها، لذلك لدينا في المركز أعواد صغيرة الحجم مخصصة لتدريب الأطفال فهناك عود نص، وثلاثة أرباع، وبيبي عود. ويعتقد البعض أن تعلم العزف على العود مهمة صعبة رغم أن ذلك غير صحيح. ويعتبر أبو عمار، العود آلة تمثل هويتنا العربية إذ تستطيع تأدية جميع نغمات (الربع تون) التي تعجز عن أدائها آلة وترية مثل الجيتار، رغم أن كثيراً من الأطفال يحبون تعلم العزف على الجيتار تأثراً بالأفلام الأجنبية والدعاية والاهتمام الإعلامي بنجوم هوليوود وديزني، ولكن العود في رأي أبو عمار يستحق التركيز عليه أكثر لأنه مستمد من التراث العربي، ولأن الجيتار محدود في التعبير بالنسبة للعود وإمكاناته، التي يعجز عن توضيح تفاصيل موسيقانا الشرقية. يضيف: نحاول تأسيس فرق موسيقية مختلفة بالمركز، ليكون لكل فرقة مذاق مختلف بين العربي والأجنبي، ونحاول أن نكوّن فريق كورال خاصاً بنا وسنعمل على تدريب الأجانب على الغناء العربي والعكس صحيح وبخبرتي الشخصية كوني متخصصاً في الغناء، أديت أغاني بعدة لغات لا أعرفها، ولكنني أحرص على فهم المعنى من الكلمات التي أؤديها حتى أستطيع التعبير عنها. ويعتبر فراس رضا، أستاذ الجيتار، في المركز، أن الجيتار آلة مناسبة وسهلة في التعلم. يقول: أنا خريج الكونسرفتوار بدمشق وأدرس آلة الجيتار الكلاسيكي والتأليف والتذوق الموسيقي للأطفال من سن 4 سنوات. صحيح أن هناك بعض الصعوبات التقنية الخاصة بالآلة ولها علاقة ببنية الطفل، لذلك ينصح أن نبدأ مع الطفل دروس العزف من سن 6 أو 7 سنوات، بينما السن الأصغر يتلقى دروساً في التذوق الموسيقي وهو بناء الفهم الصحيح للموسيقى، فهذا يساعده على فهم ميوله. فالتذوق شيء يتم تعلمه عن طريق تنمية الشغف والتدريب اليومي والجدية والالتزام بالتمرين بحيث يتحسن حس الاستماع وتزيد القدرة على تذوق الموسيقى. ويضيف: الموسيقى الجيدة هي التي تخلق لدى الإنسان وعياً وفكراً وتنشط حسه الروحي والعاطفي، والعمل الفني الحقيقي هو ما يجعلك تخرج منه ممتلئاً بمشاعر إيجابية ومشبعاً من الداخل. ولا يهم أن يكون العمل الجيد منتمياً للموسيقى الشرقية أو الغربية فالمهم هو القيمة التي يقدمها. ويتابع: تذوق الموسيقى موضوع توعوي يجب تنميته عند الأهل فيجب عليهم أن يدركوا أنه حتى لو كان الطفل لا يمتلك موهبة العزف أو الأداء فإن رفع مستوى التذوق الموسيقي لديه يؤدي إلى تطوير شامل لقدراته وسينعكس بشكل كبير على مستقبله.

مشاركة :