مبادرة محمد بن راشد لنشر التسامح خلّاقة وجاءت في وقتها

  • 12/30/2016
  • 00:00
  • 40
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: الخليج وصف وكيل الأزهر الشريف، د. عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ، رعاه الله ، بإنشاء معهد وجائزة دولية للتسامح ب الطيبة والصادقة، واعتبرها مبادرة خلّاقة لنشر ثقافة السلام والتسامح بين شعوب الأرض وتجسيد قيم وأخلاق ديننا الإسلامي العظيم. وقال وكيل الأزهر في حوار مع الخليج: هذه المبادرة الكريمة ليست غريبة على الإمارات السبّاقة إلى هذا المجال، حيث عيّنت ولأول مرة وزيرة للتسامح، وهي التي أنشأت مع الأزهر مجلس حكماء المسلمين الذي يعمل على نشر ثقافة التسامح والسلام بين البشر ونزع فتيل الأزمات، وهي صاحبة منتدى السلم في المجتمعات الإسلامية، وغير ذلك من الجهود المشكورة، ولعل هذه الجائزة تكون حافزاً مشجعاً على بذل مزيد من الجهود في المجالات كافة لتحقيق هذا الغرض النبيل، ولعلها أيضاً تكون محفزة للدول والمنظمات لتبني التسامح هدفاً لأنشطتها ودعم الجهود المرسخة لنشر ثقافته بحيث يتحول إلى سلوك غالب بين البشر. وأكد شومان أن عالم اليوم في أمسّ الحاجة إلى التسامح في العلاقة بين قادته وشعوبه بعد أن انتشر العنف والتطرف في كافة أرجاء المعمورة وفقدت العلاقة بين أهل الأديان السماوية، بل بين أهل الدين الواحد، زخمها من مشاعر الأخوّة والتراحم والتعاون والعمل المشترك. وفيما يلي نص حوارنا معه: } كيف تنظرون في الأزهر إلى مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بإطلاق جائزة دولية للتسامح وإنشاء معهد يهتم بدراسات التسامح الديني ويشجع عليه بين أتباع الأديان؟ ليس غريباً أن تنطلق فكرة خلاّقة كهذه من فوق أرض الإمارات التي تتجسد عليها كل قيم التسامح والرحمة، فقد عهدنا الإمارات- قيادة وشعباً- دولة محبة للسلام، عاشقة للتسامح. والواقع أن مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد جاءت في وقتها؛ حيث يشهد عالم اليوم شحناً غريباً وشاذاً نحو التعصب والكراهية ورفض الآخر، فنحن في حاجة ماسة إلى أصوات عاقلة هادئة تقود البشرية إلى بر الأمان، وتزيل التعصب من النفوس، ومبادرة صاحب السمو الشيخ محمد تصب في هذا الاتجاه، وتتكامل مع جهود أخرى لشخصيات فاعلة داخل دولة الإمارات العربية المتحدة لتنشر جميعها قيم وأخلاق الإسلام وخاصة ما يتعلق بالتسامح والتآلف والرحمة والتعاون بين أهل الأديان لكي يعم الخير والسلام على البشرية. انفتاح على العالم } ما الذي يمكن أن يضيفه معهد لدراسات التسامح، فضلاً عن الجائزة الدولية؟ هذه المبادرة تعد انفتاحاً على العالم الخارجي بقيم وأخلاق الإسلام، فنحن أتباع دين يمثل خلق التسامح في منظومته الأخلاقية أهمية كبيرة، والتسامح والعفو هما أداتا الإسلام في الوصول إلى عقول وقلوب الآخرين، وهما يمثلان جزءاً مهماً من استراتيجية رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه في التعامل مع الآخر، فقد تسلح الرسول بالتسامح والعفو والرحمة في علاقاته مع غير المسلمين. ولذلك أتمنى أن تكون المبادرة بما تشمل من معهد وجائزة، خطوة مهمة على طريق نشر قيم ديننا وإشاعة أخلاق نبينا العظيم صلى الله عليه وسلم. } هل ترى أن أهل الأديان في حاجة إلى لقاءات وتواصل للقضاء على مصادر التعصب الديني التي نشهدها في عالم اليوم؟ لا شك أن اللقاءات التي تتم بين سياسيين وعلماء ورجال دين بارزين من شأنها أن تعد النفوس لتقبل قيم التسامح والرحمة وتزيل مشاعر الكراهية التي يسعى البعض إلى تأجيجها استناداً إلى شائعات كاذبة أو مفاهيم مغلوطة، وهنا لابد من أن نثمّن جهود فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الذي يؤمن بأن الحوار بين أهل الأديان جميعاً هو الحل لكثير من المشكلات العالقة، وأخذ على عاتقه - باعتباره شيخاً للأزهر ورئيساً لمجلس حكماء المسلمين- أن يجوب العالم شرقه وغربه ليتحاور ويدافع عن الإسلام ويصحح المفاهيم المغلوطة. مكاسب كثيرة } من وجهة نظركم: ما النتائج المرتقبة من لقاءات رجال دين بارزين مثل شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان؟ النتائج الإيجابية والمكاسب التي تترتب على مثل هذه اللقاءات كثيرة ومتنوعة؛ فهي أولاً تزيل التوتر الذي قد تسببه بعض المعلومات المغلوطة أو الشائعات الكاذبة، وتؤكد أن علاقة أهل الأديان السماوية علاقة تعاون وتفاهم وليست علاقة صراع ومواجهة وغالب ومغلوب، كما أن هذه اللقاءات تضع لبنة مهمة في علاقات يسودها الاحترام المتبادل بين الطرفين، وتؤكد أن حوارنا الفكري والثقافي ليس حوار طرشان، كما كان شائعاً على لسان الكثيرين من قبل، وهذا ما اجتهد شيخ الأزهر في تحقيقه على أرض الواقع؛ حيث حظيت لقاءاته وحواراته الفكرية في كل العواصم والمدن والجامعات والمؤسسات الدينية الغربية التي زارها باهتمام كبير من جانب رجال الدين والمفكرين غير المسلمين؛ حيث تحاور معهم مؤكداً أن الإسلام يسعى إلى الحوار والتواصل والتعاون مع الجميع، وقد تغيرت الرؤى لدى هؤلاء وأصبح فهمهم للإسلام أكثر عمقاً. } هل يمكن للأزهر أن يقبل حواراً مع أشخاص لا يعترفون بالإسلام؟ الأزهر لا يمكن أن يقبل حواراً مع أية جهة أو شخص لا يعترف بالإسلام، ولا يتعامل معه بالاحترام الواجب.. نحن أتباع خاتم الأديان السماوية، ومن يجادل في هذه الحقيقة لا يلزمنا الجلوس معه والتحدث إليه. نحن لا نتطاول على أحد ولا نشكك في الدينين السماويين السابقين على الإسلام، وقرآننا - وهو دستور حياتنا - يفرض علينا أن نعترف بهما وأن نتعامل مع أهل الكتاب: ( اليهود والنصارى) بما يؤكد الاحترام لعقيدتيهما، ونحن عندما نجلس معهم ونتحاور لنتفاهم ونتفق على ما يحقق الخير للبشرية ويشيع السلام بين الجميع لا نتحدث في أمور عقائدية، لأن الحوار في هذه الأمور يضر ولا يفيد، فالعقائد راسخة في النفوس، ومن العبث النقاش حولها. التعصب الديني } من وجهة نظركم: ما الذي ينبغي أن يتحاور بشأنه أهل الأديان السماوية الآن؟ كل ما يحقق التعاون بينهم ينبغي وضعه على مائدة الحوار، وأكثر ما يهدد أمن الجميع الآن هو التعصب الديني والفهم الخاطئ لتعاليم الأديان.. لذلك ينبغي أن يكون هدف علماء ورجال الدين تحقيق السلم والأمن الاجتماعي، لأن التعصب الديني هو وقود الإرهاب وهو الدافع إلى العنف، وهو الذي يحول حياتنا إلى جحيم لو تركناه يستشرى ويوجه سلوكنا نحو الانتقام.. أما لو سيطرنا على ثقافة الكراهية والعنف فستتغير الأمور حتماً ويتجه الجميع نحو السلام والوفاق والتعاون والعمل المشترك. } لماذا تلتصق تهمة التطرف بالإسلام.. بينما هناك متعصبون ومتطرفون يهود ونصارى يوجهون كل يوم إساءات بالغة للإسلام؟ التطرف رذيلة يعانى منها أتباع الأديان السماوية؛ فالفهم الخاطئ للدين موجود لدى الجميع، والعقلاء في كل المجتمعات والثقافات يعترفون بذلك ويحذرون من التطرف الديني الذي استشرى في عالم اليوم.. أما الذين يلصقون التطرف والغلو الديني بأهل الإسلام فقط، فهم الحمقى الذين أعماهم التعصب.. ونحن في الأزهر نحذر دائماً من أصحاب الرؤى الضيقة، والعقول المغلقة، والظنون والأوهام البعيدة عن المنطق والتحليل العلمي. الأزهر يؤدي رسالته } تعرض الأزهر في الآونة الأخيرة لانتقادات كثيرة من مثقفين مصريين.. فهل يؤثر ذلك على مسيرته ومواقفه تجاه مختلف قضايا المجتمع وشؤونه؟ الأزهر يرحب بالنقد الموضوعي الهادف، فليس هناك من هو معصوم من الخطأ.. كلنا بشر نصيب ونخطئ، ونحن في الأزهر صدرنا رحب لكل نقد بناء.. لكن من تتحدث عنهم لا يهدفون إلى الصالح العام ولا تشغلهم صورة الإسلام ومصالح المسلمين، ولذلك ينتقدون بلا منطق. وإذا كان من الطبيعي أن يتعرض الأزهر وغيره من المؤسسات الإسلامية التي تلتزم منهجاً ثابتاً ولا تحيد عن مواقفها العادلة، لتطاول المغرضين وأصحاب الهوى، فنحن نحمد الله على أن الذين يقدرون دور الأزهر ويحترمون مواقف علمائه هم الغالبية العظمى من المفكرين والمثقفين داخل مصر وخارجها، وهناك شخصيات غير إسلامية تقدر دور الأزهر وتدافع عنه لأنه يدافع عن الإسلام ويقف دائماً إلى جانب الحق والعدل ويسعى إلى نشر قيم التسامح والرحمة وفتح حوارات عقلانية مع غير المسلمين.. وعلماء الأزهر يواصلون مسيرة التعليم والدعوة والإصلاح الاجتماعي بخطى ثابتة، فهم ينشرون العلم ويصححون ما اختلط في أذهان الناس ويميزون الخبيث من الطيب؛ ولذلك فإن الأمة كلها في أمسّ الحاجة الآن إلى صوت الأزهر الوسطى ومنهجه الواضح الذي لا يتغير.. كما نقلوا علوم الإسلام الصحيحة إلى عقول وقلوب كل المسلمين، وهذا الذي جعل للأزهر وعلمائه هذه المكانة الرفيعة في نفوس المسلمين على مر العصور. } لماذا لا يواصل الأزهر جهوده لجمع كلمة المسلمين والقضاء على ما بينهم من خلافات وصراعات؟ الأزهر يعتبر ذلك واجباً من واجباته، وجهوده ملموسة للجميع، وهي محل تقدير واحترام من المسلمين في كل مكان وليس داخل مصر وحدها، ورغم أن الأزهر مؤسسة دعوية علمية فكرية، وليس هيئة أو مؤسسة سياسية، إلاّ أن أحد همومه الأساسية هو جمع كلمة المسلمين والقضاء على ما بينهم من خلافات وصراعات، والأزهر يسعى إلى ذلك انطلاقاً من رسالته الأخلاقية والحضارية؛ ذلك أن جمع كلمة المسلمين يقوي شوكتهم، ويحقق التعاون والتكامل المنشود بينهم سياسياً واقتصادياً وحضارياً. أدب الخلاف } من الملاحظ أن العلاقة بين العلماء لم يعد يحكمها أدب الخلاف وضوابط الاختلاف.. كيف تعود هذه العلاقة إلى مسارها الصحيح بحيث تظللها آداب الحوار والمصلحة العامة للإسلام؟ كل دارس للشريعة الإسلامية يعلم علم اليقين أن الخلاف بين علماء الأمة مشروع ومقبول ما دام يسير وفق آداب وضوابط الخلاف التي استقر عليها الفقهاء، ونحن في الأزهر نتربى على أن الخلاف وتعدد الاجتهادات من مظاهر الرحمة والسعة، ما دام المختلفون والمتحاورون تحكمهم تعاليم الشريعة وتوجيهاتها. وقد اختلف الفقهاء والعلماء الأوائل في كثير من المسائل الفرعية، ولأن عقولهم وقلوبهم عامرة بنور الإيمان، وسلامة المقصد؛ فقد كان اختلافهم رحمة ويسراً، ولم توقع خلافاتهم بينهم شقاقاً ولا بغضاً، وأرشدوا أتباعهم إلى أن الخروج من الخلاف مستحب بينهم، وتباروا في تقديم بعضهم على بعض وكان شعارهم: (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)، وقد نعمت الأمة بتعدد اجتهاداتهم، ونحن نناشد المتحاورين المختلفين في عصرنا بأن يلتزموا بأدب الخلاف ويتعلموه من سلفنا، فها هو عمر بن الخطاب يختلف مع الصديق حين أمر بقتال مانعي الزكاة يقول له: كيف نقاتل قوماً يقولون لا إله إلا الله ورسول الله يقول: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله؟ فيقول الصديق: والله لأقاتلن من فرق بين الزكاة والصلاة فإن الزكاة حق المال فيوافقه عمر ويقول: رأيت أن الحق فيما ذهب إليه أبوبكر ويقاتل المرتدين معه.

مشاركة :