بعد أكثر من عام على تدفّق اللاجئين إلى أوروبا، يبدو أن التحوّل الأكبر والأهم في مسألة اللجوء هو تحوّل اليونان من دولة معبر إلى دولة مستقر، ولو موقتاً، لأكثر من 60 ألف لاجئ، جلهم من العرب، مع جموع من الآسيويين والأفارقة. يقيم اللاجئون في مخيمات كبيرة، معظمها غير مناسب لظروف الشتاء والإقامة الطويلة. وما يزيد الوضع سوءاً هو طول فترة المعاملات التي ستؤدّي في النهاية إلى توزيعهم على دول أوروبية أخرى، إما عبر برنامج لمّ الشمل أو برنامج إعادة التوزيع. وأدّت هذه الحال إلى ظهور مشكلات واحتكاكات كثيرة بين اللاجئين أنفسهم، وبينهم وبين السلطات. ونظّم اللاجئون خلال الأشهر الماضية احتجاجات كثيرة على أحوالهم قابلتها السلطات والمنظمات الإغاثية بخطوات بطيئة في مجال تحسين أوضاعهم. ولا تتوقّف المشكلة هنا، حيث بدأت مجموعات اليمين المتطرّف، التابعة لحزب «الفجر الذهبي» النازية، تهاجم بعض مخيمات اللجوء في الجزر وتعيق إقامة مخيمات أخرى. وتعدّ حالات الأطفال القصّر، الذين يبقون من دون مرافق، الأصعب. ويصل هؤلاء بمرافقة قريب مثل العم أو الخال، ما يعني أن السلطات لن تسمح لهذا القريب باصطحابهم معه في «مسيرته» الأوروبية، أو يأتون من دون مرافق أصلاً إما لفقدانه في الطريق، أو لأن أسراً تغامر بإرسالهم وحيدين للجوء في أوروبا. وقد بدأت السلطات خطة إدماج للأطفال في المدارس الرسمية، لكن الخطوة قوبلت في مناطق برفض المجتمعات المحلية، بحجة أن الأطفال اللاجئين لم يتلقوا اللقاحات الصحية المطلوبة. ونظّمت مجالس الأهل حملات معارضة لدخول التلامذة في أكثر من منطقة، لم تغب عنها شعارات العنصرية والمخاوف القومية. وأشار نشطاء إلى أن الحكومة تتحمّل جزءاً من مسؤولية هذا التطور، لأنها لم تشرك المجتمعات المحلية في خطتها ولم تأخذ برأي الأهالي. ولأن الشباب اللاجئين يدركون خطورة بقاء الأطفال فترات طويلة من دون تعليم، بادروا بمساعدة جمعيات محلية وعالمية، إلى إطلاق فصول دراسية لتعويض الأطفال عن خسارتهم قدر الإمكان. ولعل أهم ما يعيق هذه المبادرات الشبابية قلة وعي الأهالي بأهمية تعويض أطفالهم عن الدروس والمعارف التي يفتقرون إليها، ما أدّى إلى تراجع كبير في مستوى الأطفال التعليمي والتربوي. كما تعلّم منظمات كثيرة اللاجئين اللغات الأوروبية المفترض أنها ستكون مفيدة لهم في البلدان التي ستستقبلهم، فضلاً عن فنون التسلية والألعاب في المخيمات المختلفة. وفي خضم موجات اللجوء أنشئت جمعيات تطوعية لخدمة اللاجئين ومساعدتهم. أما الأسر التي تسكن في أثينا ومدن يونانية أخرى، فتنتظر طويلاً حتى تلتحق بالبلدان التي تقبل لجوءها، كما تضطر لانتظار أشهر أخرى بعد صدور القرار بسفرها حتى تتمكن هيئات اللجوء من إجراء الترتيبات والحجوزات. تقول رشيدة، وهي سورية حصلت على اللجوء في اليونان مع أختها وأخيها وطفلها، إن وضعها الجديد لا يخوّلها الحصول على أي مساعدة إلا بعض العناية الطبية. وتضيف إنها تسكن في بيت تنتشر فيه الرطوبة، ما أدى إلى إصابة طفلها بمرض مزمن. أما محمد، القادم من حمص، فيقول إنه كان من أصحاب المال والأعمال، ومع بداية الأحداث استولى رجال النظام على أمواله وشركاته. وهو ينتظر تجميع بعض الأموال ليستطيع دفع ثمن جوازات السفر الخاصة التي تعطى للاجئين ليتسنّى له الانتقال إلى بلاد أخرى. تجارب أماكن استقبال اللجوء لم تبقَ حكراً على المنظمات الكبرى والسلطات. فقد أقام منتدى المهاجرين في اليونان بالتعاون مع منظمات تطوعية ودولية، أول مكان لاستضافة اللاجئين في وسط أثينا. ويهتم بالحالات الخاصة أساساً مثل الأسر والنساء والأطفال. ويقوم على مبدأ مشاركة اللاجئين المقيمين في أعمال النظافة والصيانة والعناية ببعضهم بعضاً. ويبقى أن الخروج من اليونان الحلم الأول للاجئين. لكن أمنيات الجميع بالذهاب إلى بلدان مثل ألمانيا والسويد ليست ممكنة التحقيق. وكثيراً ما يخشى اللاجئون الذهاب إلى بلدان لا توفّر لهم امتيازات جيدة مثل دول البلقان، وفي بعض الحالات قرر لاجئون العودة إلى تركيا عندما صدر القرار بإرسالهم إلى إحدى هذه الدول. كما أن خيار المغادرة الشرعي والرسمي ليس الوحيد للاجئين. فبعضهم لا يزال يحاول مغادرة اليونان من طريق المطار بمساعدة مهرّبين يزوّدونهم بوثائق أوروبية مزوّرة. ويتعرّض للاحتجاز في حال اكتشاف أمره. وفي حالات أخرى قليلة، دفعت أسر وأفراد أموالاً للمهربين للعودة بهم إلى الشواطئ التركية، بسبب الانتظار الطويل في عملية اللجوء والأوراق، وعدم وضوح الرؤية بالنسبة إلى مستقبل اللجوء واللاجئين في اليونان، خصوصاً مع الفارق الهائل بين ما وعدت به البلدان الأوروبية وبين ما نفّذ حتى تاريخه. وكان واضحاً منذ فترة أن تدفّق اللاجئين ومكوثهم في اليونان لن ينتهي قريباً، ما دفع جامعات إلى طرح برامج تعليمية خاصة باللاجئين تعتمد على اللغة الإنكليزية، وإن كانت هذه المشاريع لم ترَ النور بعد. وقد أصبح وجود اللاجئين ملحوظاً في أثينا، ففضلاً عن الأعداد الكبيرة التي تتجوّل هناك، ظهرت متاجر ومطاعم العربية اعتمدت في شكل كبير على وجودهم كما الجالية العربية في العاصمة اليونانية. يبقى القول إن معظم اللاجئين في اليونان يرغبون في مغادرتها والالتحاق ببلدان أخرى أكثر كرماً معهم. فاليونان المثقلة بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية قدمت الكثير للاجئين على الصعيد الشعبي، في مقابل استجابة رسمية بطيئة جداً ودون المستوى لتحديات اللجوء وحاجاته. على صعيد آخر، عاد الخطاب العنصري الذي يتبنّاه اليمين المتطّرف للظهور بقوة مجدداً بعدما كان خافتاً نوعاً ما في بداية الأزمة. فقد أدى توزيع اللاجئين في مناطق مختلفة إلى عمليات تحريض ضدهم، واعتمدت الدعاية المتطرّفة على مقالات معروفة مثل أن اللاجئين جاءوا ضمن مخطط عالمي يستهدف اليونان وبنيتها الديموغرافية، ولن يرحلوا من البلد بل سيغيّرون عاداتها وثقافتها وحضارتها. والملاحظ ارتفاع أعداد اللاجئين إلى اليونان مجدداً أخيراً، ما يزيد من تأزّم الأوضاع في الجزر اليونانية ومخيمات اللجوء عموماً، إذ لا إمكانية لمتابعة سفرهم عبر طريق البلقان المشهور، ولا إرجاعهم الى تركيا أو إرسالهم إلى بلدان أوروبية. والخوف الأكبر أن تتراجع تركيا عن اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي حول اللاجئين، ما يعني عودة الموجات البشرية الهائلة خصوصاً مع بقاء طريق البلقان مقفلاً، ما سيشكل «كابوس اليونان الحقيقي».
مشاركة :