قراءة في قصيدة «حرف القصائد ذهب»\ للشاعر محمد بن عبدالعزيز آل إبراهيم «الوافي»

  • 12/31/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

هي قصيدة من الشعر النبطي الذي يعتبر شكلاً في الخطاب الشعري تغلب عليه الفطرة وينشد إلى الواقع المعيشي عبر لغة بسيطة تتغلغل في وجدان المتلقي حتى يضمن المرسل وصول غرضه للمتلقي ويتمكن من السيطرة على حسه ووجدانه.. قد تتوارى لغة الثقافة وقوانين النظم لكن صدق الإحساس هو السمة التي لا تغيب، بل تشع في نسيج النص بلغة البداوة وما يسربلها من مظاهر الحفاوة والاعتزاز بالمفاهيم القبلية، وما تنطوي عليه من معان وقيم.. إلا أننا نقف مع هذه القصيدة على جملة من الظواهر الفنية التي أسست لشعرية الخطاب العامي، ومعها تجاوز الشاعر مجرد الإبلاغ والإفهام ليحلق بقارئه في عوالم التخييل والجمال، يقتنص أفئدة تترنح مع هذا الذي أسكنه شاعرنا في فراديس القيم وعوالم المثل العليا،.. هو قول لغة وفعل فن.. بهذا يتجاوز الشاعر مجرد الإفهام الإبلاغ إلى الانتشاء بالمقول الشعري وهو يصف ممدوحه بطلاً شامخاً ورمزاً من رموز البطولة الفذة، بل يراه يجسد حلماً يرتقي به إلى عوالم لا متناهية، حتى صار نموذجاً وفي مدحه أريحية تهتز لها جنبات الكون الشعري حماسة، بهذا تنبني القصيدة على معان احتفالية تتشكل من تماه بين فعل اللغة ولغة الفعل.. تدركه من خلال هذا الاهتمام بالمغنى والتصوير الفني اللذين كشفا عن اهتمام واضح بمستوى الشعرية في هذا النسيج الفني.. فأما المغنى فينبجس نشيداً يحملنا إلى عوالم هذا البطل يصدح به الشاعر عبر أناغيم متغيرة تنبعث من خصوصية البحر البسيط وازدواجية التفعيلة فيه «مستفعلن/ فاعلن» وهو إيقاع رصين يوحي بالتمهل إلى القافية وخصوصيتها التي تدعم هذا النسق الاحتفالي: شامت بعز السيوف وشامخات التخيل نادى المنادي وصوت الحق جاء له صدى وأما التصوير الفني فمثل سر الجمالية في هذه القصيدة.. تأكدت من خلاله مقولة الجمع بين اللغة العامية ببساطتها وقربها إلى الوجدان والذهن وبين الارتقاء بها إلى فضاءات الإبداع والتميز، ما يعطي الخطاب الشعري إضافة إلى وظيفته التعبيرية وظيفة إنشائية جمالية.. وتتشكل الصورة عبر جملة من الآليات أسهمت في الارتقاء بالممدوح في سماء القيم، الفروسية والبطولة التي يصدح بها، وهي في الحقيقة صيحة ضد الظلم مهما كان مأتاه وتمجيد لها والتعبير عنها تعبيراً جميلاً يستنفر فيه الشاعر سحر البيان: ليثٍ فزع للعرين وفي عدوه عدى هلل وكبر وبنت الريح تصهل صهيل وهنا يؤكد من خلال هذه الصورة على بطولة البطل وتلبيته نداء الواجب المقدس لإيمانه بقيم رفيعة يسعى إلى المحافظة عليها وحمايتها، باقتحام غمار المعركة، بهذا يكني على القوة بصورة «الليث فزع للعرين» وهي صورة مجازية توحي بالشجاعة والإقدام وترفع البطل الممدوح إلى مرتبة الريادة والسيادة، كالليث تهابه الوحوش لصولته.. وتتأكد هذه الصولة من خلال صورة «بنت الريح تصهل صهيل» وهي في الحقيق كناية عن وطيس المعركة وضراوتها: أسس ووحد وطنا فوق هجنٍ وخيل والجو عقب المناحر والزوابع هدا بهذا تظهر صورة طريفة للممدوح يوحي بها السياق فالشاعر يستعرض تحول أجواء المعركة من حالة الغليان والجنون إلى حال السكينة والهدوء، وهذا يتطلب قدرة قادر نافذ السلطة وهذا من شأنه أن يرفع الموصوف إلى درجات من التعالي والنمذجة.. إنه فعل بطولي خارق يجعل منه متلقى متفرداً ببطولة أسطورية تجلب له الإجلال وتكسبه مجداً عظيماً، وتصنع منه رمزاً حياً للدفع عن حرمة الدين والوطن، وفي هذه الصورة المتألقة ما يفعم النفس اعتزازاً ونخوة وإعجاباً. فلا غرابة أن يهتز الشاعر أريحية للبطولة والمجد فيطرب لهما ويترجم ذلك شعراً ويمتلئ له حماسة بهذا التسامي في التصوير الفني الذي يعكس انتشاء وخيلاء فخراً ببطله الذي أضحى نموذجاً يتهادى في الورى ويختال في عالم الشاعر الإبداعي خاصة من خلال هذه الصورة التي تشكل لقاءً بين حركة السيف وحركة الوجود التي تنبجس عبر عنصر الشمس: شمسٍ تشق الظلام وبرق سيف صقيل والعز طيره تعلى بالعذوق وشدى لعلها صورة إيحائية تبين في الظاهر تزامناً بين إشراق الشمس وإشراق السيف، بل إن الشمس تلمع بمجرد وقوع إشعاعها على حد السيف. وكان السيف هو الواهب لهذا الإشعاع.. وهنا تتجاوز الصورة المعنى الظاهر إلى معنى خفي، ليغدو السيف صورة للمقاومة.. هو سيف العدل.. إشراقة النور والحق، وهنا تكمن شعرية الصورة وجماليتها، وتتأكد في صورة النخيل الشامخات: شامت بعز السيوف وشامخات النخيل نادى المنادي وصوت الحق جاء له صدى هي صورة رامزة.. فالنخيل هي رمز الشموخ والتعالي وفي الوقت نفسه رمز التجذر، فأصلها ثابت وفرعها في السماء.. إذا هي رمز القيم المتجذرة والمتعالية.. بهذا يحيي الشاعر في ممدوحه معاني عربية أصيلة تغنى بها شعراء القصيدة العربية القديمة، ولكن بحس لغوي مفارق يتجاوز الفصيح إلى النبطي.. وهنا نقف عند أهم خصيصة لهذا النمط الشعري الذي يقوم أساساً على معاني الاعتزاز بالمفاهيم القبلية التي تقوم على أساس الاحتفال بالقيم الأصيلة والتغني بها.. ليكون هذا البطل نموذجاً قيمياً ومثالاً للفتوة العربية التي مثلت فخر العربي في كل زمان.. بهذا يمكن الإقرار بقدرة الشاعر ولغته الطيعة على بعث نموذج استطاع به أن يشع بصورة بطله إلى حدود مفارقة لمرتبة الإنسان العادي ليستقيم بذلك كائناً وذاتاً يخرجه إخراجاً فنياً شعرياً. الناقدة والتشكيلية التونسية الأستاذة/ خيرة مباركي

مشاركة :