ظللتُ أركض من لندن وجدة إلى باكستان وأفغانستان والجزائر واليمن والسودان حتى بدأ موظفو مطارات العالم يتوجسون مني!. تذكرتُ ذلك وأنا أُتابع حملات الانتخابات الرئاسية في كل من أفغانستان والجزائر، دون أن تتملكني الرغبة الصحفية الحميمة أو المحمومة في التوجه إلى أي من البلدين. ففي مثل هذا الوقت قبل نحو عشرين عامًا أو يزيد - بل يزيد بالتأكيد- كنتُ في هيلتون الخرطوم عندما وصلتني برقية تفيد بتوجهي إلى باكستان، ومنها إلى بيشاور تمهيدًا لدخول كابل مع ركب القائمين!. حملق ضابط الجوازات في مطار القاهرة في تأشيرة الخروج من السودان والدخول إلى باكستان، وبالمرة لاحظ تأشيرات من اليمن والصومال قبل أن يضع ختم المغادرة!. وكان ما كان وتحول عرس كابل إلى مأتم للديمقراطية والحرية مازال منصوبًا حتى الآن.. فلا ثمار "الجهاد" أينعت، ولا شعارات الديمقراطية رفعت.. من يومها وحتى الآن بفعل تطاحن الإخوة الأعداء على السلطة على طريقة مصارعة الديوك التي تشهدها كل أسبوع قرى ومدن أفغانستان. بعد أيام قليلة وتحديدًا السبت المقبل يدخل الحلبة 8 مرشحين على مقعد الرئاسة، يتقدمهم زلماي رسول وزير الخارجية الأسبق المقرّب من الرئيس الحالي حميد كرزاي! وطالما كان الرجل مقربًا من كرزاي الذي هو مقرّب من واشنطن، فبالتأكيد قادم قادم مع الاحترام لمحاولات أو تجرؤات أو تخيّلات أو توهّمات بقية المرشحين بمن فيهم عبدالله عبدالله الذي نافس في الانتخابات السابقة، وأحرج كرزاي قبل أن تمارس واشنطن دورها التاريخي في غض البصر أو النظر والأخذ بالأمر الواقع.. والحق أن ما وقع كان كبيرًا وكان مدويًا، ومع ذلك صمتت أمريكا مبررة ذلك بأن إعادة الانتخابات سيكون مكلفًا، وأن مجيء كرزاي أصبح أمرًا حتميًا تمليه الظروف!. فإذا ربطنا ذلك بما حدث ويحدث الآن من تهديدات صادرة عن طالبان وصلت إلى حد ضرب مقر لجنة الانتخابات، ناهيك عن تواصل قتل الصحفيين؛ يصبح الحديث عن "نزاهة" و"شفافية" و"عدالة" و"حياد" الانتخابات الرئاسية في أفغانستان من قبيل المضحك المبكي، أو المبكي المبكي، وما أكثر البكاء على اللبن المسكوب هناك!. هذا عن أجواء الانتخابات الرئاسية في أفغانستان، والتي هي بالتأكيد "تسد النفس" للمراقبين والمتابعين بل والمواطنين الأفغان الذين كتبوا لافتة كبيرة تقول للرئيس كرزاي: أيها الرئيس قل لإخوانك توقّفوا عن القتل!. أما عن أجواء الانتخابات الرئاسية في الجزائر، والتي سبق لي تغطيتها مرتين فاز بهما الرئيس بوتفليقة، فقد تختلف في مظاهرها، لكنها قد لا تختلف كثيرًا في قيمتها ونتائجها!!. لقد انتهت مرحلة السخرية من الحملات الرئاسية، حيث انسحب المرشح "بائع الخضار" عياش حفايفة وزميله مسعود غواط الذي ترشح فقط لتحقيق رؤية خاصة رآها في المنام تقول: إنه الخليفة الوحيد للرئيس بوتفليقة!. لقد تعلم أو قُل أدمن الشعب الجزائري النكتة على غرار الشعب المصري لمقاومة كل ما هو غريب وشاذ ومثير، وهو حل عملي لمقاومة سلمية باللسان أو البيان دون التورط في الإجرام!. ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر أن الجزائريين لفظوا المرشح الثري رشيد مكناز، لأنهم طلبوا منه ترديد النشيد الوطني، فتبين لهم أنه يحفظ عبارة واحدة تقول: قسمًا بالنازلات.. ردّدها مرتين ثم ثلاثًا، وأكملها بكلمة ترن.. ترن.. ترن.. قسمًا بالنازلات.. ترن.. ترن!. هكذا اختفت هذه الرنة في الجزائر، ليقتصر الأمر على خمسة مرشحين من الوزن الثقيل يتقدمهم الرئيس بوتفليقة ثم رئيس الحكومة السابق علي بن فليس ثم عبدالعزيز بلعيد رئيس حزب جبهة المستقبل، ثم علي فوزي رباعين رئيس حزب عهد 54، وموسى تواتي رئيس حزب الجبهة الوطنية، وأخيرًا لويزة حنون أمينة حزب العمال!. إن نظرة واحدة على الأسماء المرشحة في الجزائر، لتُؤكِّد أن المشهد شبه ثابت منذ أكثر من عشرين عامًا، فالمرشح الأول "ثابت" ويصر على ولاية أخرى خامسة أو سادسة - لا أتذكر- والمنافسون الآخرون "ثابتون" على مواقفهم، حيث يتحرك الزمن ولا يتحركون! وما بين الثابت والمتحرك في كل من أفغانستان والجزائر بحار مريرة من الدم الذي سال بحثًا أو أملاً في وطن جميل ينعم بالحرية والديمقراطية والعيش والعدالة الاجتماعية - عفوًا- لن أُردّدها.. فقد باتت فألاً سيئاً على الشعوب العربية التي خرجت لترديدها وأوشكت على قطفها، وحين نظرت في أياديها وجدتها ملطخة بالدماء. sherif.kandil@al-madina.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :