استيقظت الجزائر أمس على خبر منح القاضي الفرنسي مارك تريديفيك الضوء الأخضر لتشريح رؤوس الرهبان النيجريين الذين قضوا في جبال المدبة عام 1996م، وأعلنت الجماعة الإسلامية المسلحة حينها مسؤوليتها عن هذا العمل الإرهابي. وحين كنت أقلب صفحات "الشرق الأوسط" تذكرت قصة أهل الكهف لأفلاطون، قبل أن أراجع أوهام الكهف الأربعة التي عدّها فرنسيس بيكون. أما «أهل الكهف» فهم جماعة من البشر دخلوا في كهف وعاشوا فيه ولم يخرجوا منه قط، ولأنهم كانوا مقيدين بالسلاسل، والأصفاد ولا يستطيعون التحرك يمينًا أو يسارًا، فقد اتجهت وجوههم دومًا نحو الجدار الداخلي للكهف فلم يروا في حياتهم غيره! غير أن جذور نار ملتهبة كانت ألسنتها تتراقص، فتحرك صورهم على الجدران فيظنونها الحقيقة! فلما استطاعوا أن يتحرروا من القيود شاهدوا النار خلفهم وعرفوا أن ما شاهدوه طيلة حياتهم هو مجرد أشباح وظلال تتراقص على الجدران! لا أدري لماذا ربطت بين خبر "التشريح" بل بين الجزائر.. بل بين الأمة كلها وقصة أهل الكهف! لقد سار أهل الكهف المظلم نحو المدخل حتى خرجوا منه، فإذا بالشمس الساطعة تؤذي عيونهم في الوهلة الأولى قبل أن تعتاد أبصارهم على النور فيشاهدوا الأشياء في وضح النهار، ويشاهدوا أنفسهم أيضًا!! كنت في الجزائر في أواسط التسعينيات وبُعيد الانقلاب العسكري. كان الرئيس بن جديد قد حل البرلمان ثم يستقيل، ثم يتدخل الجيش فيلغي النتائج الأولى من الانتخابات التشريعية.. ثم يتولى بوضياف أحد القيادات التاريخية سدة الحكم أو ما كان يسمى وقتها المجلس الأعلى للدولة، قبل أن يتم اغتياله على يد ملازم من القوات الخاصة، ثم يأتي علي كفاني رئيسًا لمجلس الدولة ويتم تمديد قانون الطوارئ بحجة أو بداعي الإرهاب الذي ساد البلاد! وفي عام 1994م ومع مجيء وزير الدفاع الجنرال زروال رئيسًا مؤقتًا للبلاد لمدة ثلاث سنوات تتصاعد أعمال العنف وتتردى الأوضاع الأمنية وتكثر الاغتيالات وتتدنى الأحوال الاقتصادية، ويعلن زروال فشل المباحثات مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ! وفي عام 1998م يعلن الجنرال تنحيه عن الحكم ويدعو لانتخابات رئاسية مبكرة! كنت هناك عندما تم انتخاب عبدالعزيز بوتفليقه رئيسًا للجزائر وتفاءلت مع المتفائلين خاصة بعد صدور قانون "الوئام المدني".. وفيما كانت الأمور تميل للاستقرار يتم اغتيال القيادي الثالث في الإنقاذ عبدالقادر حشاني، قبل أن يعلن الرئيس عفوًا شاملًا عن أعضاء الجيش الإسلامي! وتتلاحق الأحداث السياسية الدراماتيكية، فيأتي علي بن فليس الأمين العام لجبهة التحرير الوطني رئيسًا للحكومة ثم يقيله الرئيس بوتفليقه ويعيِّن أحمد أويحيى، فتنسحب جبهة التحرير من الحكومة ثم يصدر القضاء الجزائري قراره الشهير بتجميد كل أنشطة حزب جبهة التحرير! المهم في الأمر أن الساسة في الجزائر كانوا في البداية السباقين في استدعاء الجيش تارة لقمع المظاهرات وأخرى للجم الإسلاميين، قبل أن يعود العسكر رسميًا وشعبيًا من جديد عام 1992م على يد الجنرال خالد نزار بدعوة من العلمانيين لمواجهة الإسلاميين وقد كان! عدت بالذاكرة إلى الجزائر الحبيبة قبل أن تمتد يدي لمطالعة عناوين الصباح أمس الموافق 29 نوفمبر من عام 2013م! العناوين ذاتها، والأسماء ذاتها، والتحذيرات ذاتها، والأمنيات ذاتها! وباستثناء النصر المبهر الذي حققه اللاعبون الجزائريون في كرة القدم، يتعثر اللاعبون السياسيون وكأنهم يبدأون من الصفر، أو لكأننا ما زلنا في عام 1994م! كان عبدالعزيز بلخادم الأمين العام لجبهة التحرير الوطني يعلن أنه سيترشح للرئاسة إذا قرر الرئيس بوتفليقه عدم الترشح لـ "عُهدة رابعة"! وكانت لويزة حنون أمينة حزب العمال تعلن عدم ممانعتها في تقدم الرئيس لولاية رابعة ونيتها الترشيح بدورها لمدة رابعة في رئاسة الحزب!! كانت حدة حزام تسأل بحدة قائلة:ماذا تعني زيارة عمدة باريس للجزائر في نفس الوقت الذي يوجد فيه القاضي الفرنسي المكلف بالتحقيق في مقتل الرهبان؟ قبل أن تجيب بوضوح: هناك في فرنسا من يسعون لإخراج ملف مقتل الرهبان كورقة ضغط! وكان النائب العام الجزائري يعلن أن قضية أو فضيحة "سوناطراك" مستمرة، وان التحقيقات جارية وأن مذكرة توقيف دولية قد صدرت بحق وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل. وفي الركن خبر صغير يقول أإن هناك فقراء هددوا بالانتحار الجماعي الأسبوع الماضي بعد إضرام النار في منازلهم العشوائية! كان الصديق ورفيق المشوار الصحفي عبدالمجيد مناصرة وزير العمل الأسبق يلح بفكرته قائلاً : إذا ترشح الرئيس سيقترح تعديل الدستور لاحداث منصب "نائب الرئيس" ليقوم بالأعمال التي لا يستطيع هو القيام بها مثل الحملات الانتخابية والجولات وحضور المحافل الدولية... وهناك من أنصار العهدة الرابعة من يمني نفسه بأن يكون هو الفائز بهذا المنصب.. والحل الذي نراه مناسباً هو التوافق مرشح واحد بعيداً عن الاستقطاب الايدلوجي ليعبر بالجزائر إلى مرحلة الاستقرار وتعطي الكلمة للشعب ياااه يا عبدالمجيد! الكلمة للشعب لاختيار من يناسبه؟ سمعتها منك وأنت تحلم مثلي بوطن عربي ديمقراطي حر.. أواه يا عبدالمجيد! أما زلنا نعيش الحلم دون أن نحققه؟! يرد صديقنا المشترك الدكتور عبدالرزاق قسوم قائلًا ومتسربلًا بعباءه المفكر الراحل الشيخ محفوظ نحناح: ويح أمتي التي صارت تغتال الربيع الوديع فتستأصل ورود الفجر وتقضي على أزهار الأصيل البديع! ما بالها تأبى إلا أن تعود إلى عصر الشتاء الوضيع،عصر المرُ والصقيع، فنراها تطارد أنصار النهوض والتنمية، وتمكن لدعاة الاغتيالات والتصفية؟! sherif.kandil@al-madina.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :