الثابت والمتغيّـر في انتخابات الجزائر

  • 5/2/2017
  • 00:00
  • 19
  • 0
  • 0
news-picture

من المجحف الإيحاء بأن شيئاً لا يتغير في الجزائر، من خلال الغمز من قناة الحزب الحاكم والقول إنه باق في السلطة مئة سنة، وكأنه يُراد الاستنتاج سلفاً، أن لا جدوى من الانتخابات الاشتراعية التي تجرى الخميس. كذلك، ليس دقيقاً الكلام عن أن الانتخابات لن تأتي بجديد على صعيد الخريطة السياسية في البرلمان، أو الواقع السياسي خارجه، إلا إذا كان منطق التقييم تعجيزياً، ذلك أن أعتى النماذج الديموقراطية في العالم حالياً، لا تخرج عن تداول السلطة بين حزبين أو ثلاثة على الأكثر، أي في إطار حلقة نخبوية محددة، ومتى اقترب التداول من الخروج على هذه الحلقة، تقوم الدنيا ولا تقعد وتستنفر الجهود للحيلولة دون ذلك، كما الحال في فرنسا حيث تحاول الطبقة السياسية التقليدية بكل قواها منع وصول زعيمة «الجبهة الوطنية» مارين لوبن إلى الرئاسة. لطالما كان المأخذ على النظام الجزائري أنه يعمل تحت هيمنة الجيش والاستخبارات، الذراع الضاربة لـ «الحزب الواحد»، لكن هذا الأمر لم يعد الهمّ الأساسي للمواطن الذي أيقن بعد درس «الربيع العربي» أهمية الاستقرار كأولوية، وفهم أن التغيير لا يهبط فجأة بين ليلة وضحاها، بل هو عملية تحسين تدريجية وتطويرية تتطلب سنوات، بل عقوداً. الأهم، كما كان يقول الرئيس الراحل أحمد بن بلة، هو فهم أن «الثورة لا يمكن أن تستمر إلى الأبد»، وبالتالي لا يمكن أن تتواصل أحكام الطوارىء ولا هيمنة الأجهزة على السياسة. وبهذا المفهوم يمكن القول إن انتخابات هذا الأسبوع قد تكون الأولى التي تجرى بعيداً من أي ضغوط أو هيمنة من جانب المؤسسة العسكرية التي نجح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة أخيراً، في إعادتها إلى دورها الطبيعي والبالغ الأهمية في مواجهة التطرف والإرهاب. هذا لا يعني عدم وجود قصور وتحديات، بل إن اهتمامات الجزائريين باتت تتركز على الاقتصاد وكيفية توفير أوضاع معيشية أفضل، وهم يدركون أن المدخل الأساسي لذلك، مكافحة الفساد المستشري في أوساط رجال المال والأعمال، الأمر الذي لم تعد السلطة تنكره أو تنفيه، بل تبدو منسجمة مع الواقع، باعترافها ضمناً بأن ثمة «مالاً سياسياً» سيلعب دوراً في الانتخابات، من خلال رجال الأعمال الطامحين إلى مناصب برلمانية، سعياً على الأرجح إلى حصانة من مساءلات حول مصادر أموالهم. وبذلك يكون منتهى البراغماتية من النظام، مبادلتهم الضمانات باستثمارهم في الداخل، لتفادي هجرة رؤوس الأموال إلى مصارف وصناديق في الخارج. «جبهة التحرير» باقية كحزب غالبية يشاركها فيها «التجمع الوطني الديموقراطي» الذي تفيد كل التوقعات بأنه سيحسن حصته من هذه الغالبية، ليشكل ثنائية سياسية في الحكم، لا تحول دون نصيب من المقاعد لتحالف الإسلاميين. ولا يستبعد حتى أن تكون لهؤلاء مشاركة ولو محدودة في الحكومة المقبلة التي يرجح أن يعيد عبدالملك سلال تشكيلها باعتباره يتصدر لائحة مرشحي «جبهة التحرير». ما تقدم لا ينفي وجود سؤال أساسي عن أحوال «الضامن» لهذه الصيغة، طالما أن الصلاحيات الأساسية لا تزال في يد الرئيس بوتفليقة الذي لا تنفك التكهنات حول صحته تثير تساؤلات حول ترتيبات الخلافة، آجلاً أو عاجلاً. وفي هذا الإطار فإن الاستحقاق البرلماني الجزائري، بقدر ما يشكل استفتاء على تجديد الثقة بالنظام السياسي ككل، فهو في الوقت ذاته تبيان لشعبية الأحزاب بما فيها «التجمع» بزعامة أحمد أويحيى. ونجاح الأخير في تثبيت مواقع حزبه، يشكل بلا شك، تعزيزاً لحظوظه مرشحاً محتملاً للرئاسة.

مشاركة :