العولمة، الهوية الكونية... مصطلحان للمفهوم نفسه، يسعى الكثير من سكان الأرض سواءً في الغرب أو الشرق لجعل العالم قرية صغيرة واحدة، لا شيء يفصل الأوطان بعضها عن بعض سوى الحدود الجغرافية، للحفاظ على الحقوق الإقليمية لكل دولة، وحفظ تضاريس العالم، قامت الهوية الكونية وانتشرت بالعالم تحت غلاف من الشعارات البراقة واللامعة: الحرية، المساواة، الديموقراطية، التقدم التكنولوجي، التجارة العالمية وهذا ما يُحول العالم إلى قرية صغيرة، أي ما يسمى بعصر العولمة. هناك مزيج فكري يسود عصر العولمة أو عصر الهوية الكونية، لذا اعتاد الباحثون أن يتحدثوا عن عصر العولمة بأنه عصر سقوط الأيديولوجيات، ويدعون إلى معالجة جديدة لطرائق ونظم قديمة في التفكير لتطويرها وتحديثها من خلال الفلسفة السفسطائية التي ذهبت بأن الحق والباطل وجهان لعملة واحدة، بحيث يتم تحويل اتجاه النظر بعيداً عن الأشياء الأولية، كالمبادئ والحتميات المُسلَّم بها، وتوجيه النظر ناحية النتائج والوقائع والحقائق. لقد كان الحق هو الغاية لكل الفكر الإنساني، ولكن من أسّس الفكر القائد لعصر العولمة، يرى جعل الحق وسيلة إلى الفوائد والمنافع، وهذا خلط جلي وواضح بين الحقائق والوسائل بطريقة تؤدي إلى تذويب الحقائق بشكل مطلق ونهائي، ومن المؤسسين لهذا الفكر يرى أن الأفكار عبارة عن أدوات يستعين بها صاحبها لتحقيق الائتلاف والتوافق مع البيئة، فالفكرة عدة أو آلة نافعة تعين صاحبها على الحياة، والأفكار الفاشلة تؤدي بصاحبها إلى الهلاك. وبعد أن قدمنا المقال بنبذة مختصرة عن الهوية الكونية، وتجاوزنا النظرة المعتادة للأبعاد السياسية لمسألة الهيمنة الغربية على العالم، وتعمقنا في الأبعاد الفلسفية والإنسانية للهوية الكونية، بتهيئة الشعوب للانقياد لعصر العولمة، من دون عملية استعباد تُمارس على الشعوب المستضعفة، جاء دور تفنيد رأينا كمسلمين عن تلك الأفكار وما مدى توافقها مع ديننا وإلى أي مدى يمكننا الاستفادة منها، نحن -المسلمين- نعيش هذا العصر أي عصر الانفتاح على العوالم الأخرى منذ ولادتنا مع الاحتفاظ بخصوصياتنا الدينية، فديننا قائم على ثوابت وقواعد متجذرة وتعتبر هذه الأصول استراتيجية متكاملة للعالم بأكمله، فقد تأصل عند المسلمين مفاهيم الحوار، وتقبل الرأي الآخر، وتقبل الآخر كما هو عليه، والتعايش السلمي مع الطرف الآخر، على اختلاف أدياننا وأفكارنا وتوجهاتنا منذ آلاف السنين، والتاريخ الإسلامي يثبت ذلك بتسجيل كثير من المواقف الدالة على ثقافة الحوار وتقبل الرأي الآخر وتقبل الآخر والتعايش السلمي معه. ما يجب علينا اليوم هو تخليص النصوص والمفاهيم من قيد الفهم الإنساني، بتبيين وتفسير المواقف بدقة متناهية، لأننا نختلف في استخدام المصطلحات والمفردات، ومن يفسر مفهوماً أو نصاً من النصوص سواء في الفكر الإسلامي أو غيره، يعتمد على فهمه، ويستشف الرؤى لهذا النص أو المفهوم، وينقلها ويتناقلها غيره، على أساس الفهم الإنساني، كمفاهيم العولمة والهوية الكونية وتعاريفها كافة. وفي الختام نتساءل كيف لنا أن نحقق الهوية الكونية على أرض الواقع؟! ونتعايش سلمياً مع العالم الغربي وهم من يناقضون أنفسهم، فها هي بعض الدول الغربية تضيق على المسلمين وتقيد حرياتهم، وتناسوا أن المسلمين تربوا على الانبساط والانفتاح والتعايش السلمي مع الغير بكل أمر من أمور حياتهم ما لم يصادم شريعتهم الغراء، تعلموا منا أيها الغرب الوسطية والتسامح وبعدها نقول يا مرحباً بالهوية الكونية. m.alwohib@gmail.com mona_alwohaib@
مشاركة :