ترامب أمام تحدي قرارات أوباما بشأن ملفات دولية ساخنة

  • 1/1/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

من روسيا إلى سوريا إلى إيران إلى إسرائيل وصولاً إلى كوبا ومرورًا بالصين واليابان ودول الخليج العربية، تختلف رؤية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في كيفية التعامل مع الملفات الساخنة المتعلقة بهذه الدول عن رؤية سلفه المنتهية ولايته باراك أوباما، فضلاً عن اختلافهما الجذري في جميع القضايا المحلية الرئيسية. ولكن السؤال المطروح بقوة حاليًا في الولايات المتحدة إن لم يكن في سائر أنحاء العالم هو: هل يؤدي هذا الاختلاف بين السلف والخلف إلى إلغاء كل السياسات التي تبناها أوباما ومحو تراثه؟ وهل بمقدور ترامب أن يلغي اتفاقات أو التزامات أميركية تجاه المجتمع الدولي أو تجاه دول بعينها، بصورة قد تهز الاستقرار العالمي؟ وفيما يلي تستعرض «الشرق الأوسط» أبرز خمسة ملفات خارجية من حيث جوانب الاختلاف حولها بين الإدارة المقبلة والإدارة المغادرة ومدى قدرة الرئيس المقبل على قلب سياسات سلفه رأسا على عقب تجاهها بمجرد دخوله البيت الأبيض في العشرين من يناير (كانون الثاني) الجاري روسيا وسوريا لا تختلف رؤية ترامب بشأن التعامل مع الملفين الروسي والسوري وهما ملفان متشابكان عن رؤية أوباما فقط بل تختلف حتى مع رؤية قادة الحزب الجمهورية الجمهوري أنفسهم. إذ إن قادة الحزب الذي يفترض أن ترامب يمثله يبدون أكثر تشددا من إدارة أوباما في اعتبارهم لروسيا عدوا تتعارض مصالحه مع مصالح أميركا ويسعى دوما إلى تقويض وزعزعة الاستقرار في جميع أنحاء العالم، حسب تعبير رئيس مجلس النواب الأميركي القيادي في الحزب الجمهوري باول رايان. ويتفق ترامب مع زملائه الجهوريين فقط في أمر واحد فقط هو أن سياسات أوباما تجاه روسيا طوال الثماني سنوات الماضية كانت فاشلة جعلت الولايات المتحدة تبدو كأنها دولة ضعيفة في عيون العالم. غير أن ترامب يختلف مع قادة حزبه في كيفية تصحيح صورة الولايات المتحدة واستعادة قوتها في عيون العالم، إذ إن ترامب لا يبدو راغبا في المواجهة مع رئيس قوي مثل بوتين، علاوة على أنه يريد الاستفادة من بوتين في سوريا للقيام بما لا يريد هو القيام به وهو تحمل أعباء مالية إضافية للقضاء على تنظيم داعش في سوريا والعراق. ويعتقد ترامب أن هناك مصلحة فعلية تربط بين روسيا وأميركا فيما يتعلق بمواجهة ما يسميه بـ«الإرهاب الإسلامي»، في حين أن قادة الحزب الجمهوري التقليديين يرون أنه لا بد من الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد مثلما تمت الإطاحة بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وتتلخص رؤية ترامب في أنه لا فائدة من تسليح المعارضة السورية أو تزويدها بأي شيء، بل يجب ترك الأسد يضرب «داعش»، وترك «داعش» بضرب الأسد باعتبار الطرفين خصمين لدودين لبعضهما وللولايات المتحدة في آن واحد. ومن الناحية النظرية فإن ترامب بمقدوره أن يعيد الدبلوماسيين الروس إلى الولايات المتحدة ويفتح حوارا دبلوماسيا مع نظيره الروسي، كما أن بمقدوره نظريا أن يعلن تخليه عن المعارضة السورية، وأن ينسق مع روسيا ميدانيا في القضاء على «داعش»، ولكنه في المقابل سوف يواجه حربا داخلية لا هوادة فيها من جانب الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء إضافة إلى أن الأجهزة التي تزوده بالمعلومات الاستخبارية يوميا سيكون بمقدورها التأثير على مسار تفكيره وقراراته، مثلما كان تأثيرها كبيرا على جميع من سبقه من رؤساء. وعمليًا بمقدور ترامب أن يتبنى سياسات انقلابية في حالة واحدة فقط، وهي أن تكون الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية تقف وراء الرغبة في التغيير. ومن الواضح أن الأجهزة الأمنية تسعى حاليا للاستفادة من حالة العداء مع روسيا من أجل تبرير الموازنات الضخمة المخصصة للحرب الإلكترونية. إيران وكوبا إذا كان الملف الكوبي أكثر سهولة من الملف الإيراني، فإن التراجع عن التطبيع مع كوبا لا يبدو أنه من أولويات ترامب على الأقل في المائة يوم الأولى من رئاسته. أما التعامل مع الملف الإيراني فقد تحسب أوباما لاحتمال أن يتراجع سلفه عن الاتفاق مع إيران بشأن مشروعها النووي، ولهذا فقد ورط هذا السلف من قبل أن يعرف هوية هذا السلف، بجعل الاتفاق بين إيران والقوى الكبرى مجتمعة بما فيها وليس بين طهران وواشنطن. ولهذا السبب فسيكون من الصعب عمليًا على الرئيس الأميركي المقبل أن يلغي الاتفاق النووي بجرة قلم، لأن إيران قد حققت هدفها منه وهو الحصول على أموالها المجمدة نقدًا من الولايات المتحدة. وتدرك إدارة ترامب بأن إعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران لن يجدي نفعا لأن إيران تتعامل مع دول أوروبية قادرة على تزويدها بما تحتاج إليه. إسرائيل وفلسطين رغم الانحياز المعلن للرئيس المنتخب مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين، فإن الرجل كان أقل المرشحين الجمهوريين دعما لإسرائيل، وأكثرهم حرصا على لعب دور الوسيط العادل. ويقول بعض المراقبين إن الغزل الجاري حاليا بين ترامب وإسرائيل ليس سوى تغطية مشتركة لعداء كامن بين الجانبين. ويدرك ترامب أن اللوبي الإسرائيلي وكبار رجال الأعمال اليهود الأميركيين وقفوا بقوة مع منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون. وكان من اللافت أثناء الحملة الانتخابية لترامب أنه استثنى اليهود من هجماته رغم أنه لم يتردد في الهجوم على جميع الأقليات الأخرى بما في ذلك الأقلية اللاتينية والأميركيين الأفارقة والمسلمين والمهاجرين عموما. لكن الرجل في الوقت ذاته متزوج من مهاجرة وليس في ماضيه أي عداء للمهاجرين أو للأقليات، ولذلك فإن بعض الأميركيين يعتقدون أن المصلحة السياسية والرغبة في استقطاب أصوات الأغلبية البيضاء كانت الدافع الوحيد لهجوم ترامب على الأقليات، أما العداء الحقيقي فهو ما يكنه ترامب لليهود. ويبدو أن جذور ترامب الألمانية جعلت بعض اليهود الأميركيين يشبهونه بهتلر ويحذرون من خطره على إسرائيل، لكن الذكاء الإسرائيلي جعل الحكومة الإسرائيلية تركز هجومها على الإدارة المنتهية ولايتها، ومحاولة كسب ود الرئيس المقبل. ومهما كان كانت درجة الود المتبادل بين ترامب وإسرائيل فإن هذا الود الظاهر يخفي وراءه ما يخفيه من شكوك متبادلة بين الطرفين، وليس هناك في الولايات المتحدة من يستطيع الضغط على إسرائيل أكثر من الحزب الجمهوري ومن رئيس جمهوري يتمتع بشخصية صدامية قوية تخشاها إسرائيل أكثر من أي شخصية أخرى. وإذا كان هناك من قرارات فورية يمكن أن يتخذها ترامب عقب تولية السلطة رسميا فعلى الأرجح أنها سوف تستهدف منظمة الأمم المتحدة بحرمانها جزئيا أو كليا من المساهمة الأميركية في موازنتها. ومثل هذا الإجراء قد يكون الهدف الظاهري منه فرض عقاب على المنظمة الدولية بسبب القرار الدولي المندد بسياسة الاستيطان الإسرائيلية، لكن الدافع الأساسي غير ذلك بكل تأكيد. فبالنظر إلى أن منظمة الأمم المتحدة لا علاقة لها بقرار اتخذه مجلس الأمن، وهو هيئة منفصلة تماما عن الجمعية العامة للأمم المتحدة فإن فرض عقوبات مالية على المنظمة الدولية لن يكون سوى التعبير الواضح عن وجهة نظر ترامب في هذه المنظمة التي يعتبرها مكانًا للاستجمام وقضاء وقت مخملي على حساب دافعي الضرائب في العالم، وهو ما تعهد بالعمل على إنهائه. الدول الصناعية والبترولية بعقلية التاجر وليس السياسي أو القائد، لم يخف ترامب يوما رغبته في الحصول على أموال تدفع لخزينة بلاده من المملكة العربية السعودية والكويت واليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية وغيرها من الدول الغنية مقابل ما يسميه بالحماية الأميركية لهذه الدول. وفي الوقت الذي كانت الإدارة السابقة تحرص على التعامل الدبلوماسي مع هؤلاء الحلفاء وتعمل ضد مصالحهم في الخفاء، فإن ترامب لم يتردد في المجاهرة بالعداء للحلفاء والأصدقاء قبل الأعداء الحقيقيين. وإذا كان بمقدور ترامب أن ينقلب على سياسات أوباما في الملفات التي اتخذ أوباما لتمريرها قرارات رئاسية تنفيذية بعيدا عن موافقة الكونغرس الأميركي، ومعظم هذه القرارات تتعلق بملفات داخلية مثل التأمين الصحي وقضايا الهجرة وما شابه ذلك، فإن ملفات العلاقة بين الولايات المتحدة مع دول مجلس التعاون الخليجي واليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية لم يتم رسمها بقرارات رئاسية في عهد أوباما بل مضى عليها عقود وهي علاقات عميقة الجذور قائمة على مصالح استراتيجية لا يمكن محوها بجرة قلم، ولهذا فمن المستبعد أن يكون بمقدور ترامب أن ينجح في الانقلاب على تلك العلاقات عن طريق تحويل الجيش الأميركي إلى جيش بالإيجار يتولى حماية دول بعينها من مقابل المال. الصين والمكسيك إذا كان هناك من ملف ملح يحظى بالأولوية القصوى لدى ترامب فهو ملف العلاقات الاقتصادية مع الصين والمكسيك، وهو الملف الذي بمقدور ترامب من خلال خبرته الطويلة في المال والأعمال والصفقات أن يحقق نجاحا فيه. وقد جاء في آخر تغريدة لترامب على صفحته الشخصية بموقع «تويتر» أن تركيزه سوف ينصب على مبدأين أساسيين هما «توظيف الأميركيين» و«شراء المنتجات الأميركية». ورغم وجود أوراق قوية لدى كل من الصين والمكسيك يمكن أن تضغطا بها على ترامب لإثنائه عن اتخاذ بعض القرارات التي تتعارض مع مصلحة أي منهما، فإن ترامب بإمكانه أن يستهدف الشركات الأميركية المهاجرة إلى الصين والمكسيك بحثا عن أيدٍ عاملة رخيصة. وقد أصبح في حكم المؤكد أن ترامب سوف يتخذ قرارات أحادية الجانب بفرض رسوم جمركية على المنتجات الأميركية المصنعة خارج الأراضي الأميركية، ومثل هذا القرار قد يعني الانسحاب من منظمة التجارة العالمية، وقد يتبع ذلك خطوات أخرى للانسحاب من منظمات ومعاهدات دولية كثيرة وفي نهاية المطاف تطبيق سياسة الانكفاء وفرض عزلة على الولايات المتحدة، وهو ما يتمنى تحقيقه كثير من السياسيين الأميركيين الذين يشعرون بأن بلادهم تتحمل الكثير من أجل العالم ويجادلون بأن لا مصلحة لمواطنيهم من التدخل المفرط في شؤون العالم الخارجي.

مشاركة :