هل تراجعت العولمة لحساب النزعات القومية؟

  • 1/3/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

شهد العقد الأخير تنامي النزعة الوطنية - القومية الأوروبية في العلاقات الدولية على حساب مسار العولمة، تلك النزعة التي تسعى إلى إضعاف سيادة العولمة الأميركية على أوروبا والعالم. لقد ترافق هذا التوجه مع صعود النزعة الوطنية الروسية التي تسعى إلى إعادة دور الاتحاد الروسي كلاعب رئيسي في العلاقات الدولية من خلال إقامة تكتل دولي من الدول الرأسمالية الناهضة متعاون مع الصين. إن الميول المشار إليها أعلاه أدت إلى تصاعد دور اليمين الأوروبي المتطرف في الحياة السياسية في عدد من البلدان الأوروبية، على حساب اليمين التقليدي، ومن أبرز إفرازات ذلك، نمو النشاطات الجماهيرية المعادية للهيمنة الأميركية إضافة إلى تحقيقه، أي اليمين المتطرف، نجاحات انتخابية في عدد من البلدان الأوروبية، كذلك تصاعد الكراهية، العنصرية ومعاداة الأجانب، التي ظهرت بصورة واضحة بعد تزايد أعداد لمهاجرين نتيجة الأحداث التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، بعد الاحتجاجات الشعبية العربية. لقد حققت النزعة الوطنية القومية الأوروبية نجاحات كبيرة، منها: خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وما يمثله ذلك من انتكاسة لمشروع الوحدة الأوروبية، رفض الشعب الإيطالي للتعديلات الدستورية التي اقترحتها الحكومة، فعالية الدور الروسي في الشرق الأوسط، المتمثل بالدعم السياسي والعسكري الكبير لسوريا وأثره على تعديل ميزان القوى لصالح النظام السوري، إضافة إلى زيادة التعاون السياسي والعسكري مع إيران ومحاولة تشكيل مركز تعاون استخباري رباعي يضم سوريا والعراق وإيران وروسيا، تحت عنوان لمكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط. وكذلك ظهور أشكال متنوعة من أنظمة الحماية الاقتصادية، في العلاقات الدولية بهدف الدفاع عن المصالح الوطنية ضد تحكم مفاهيم العولمة القائمة على تحرير الأسواق الوطنية وحرية انتقال البضائع والخدمات بين الدول، كما مثل فوز دونالد ترامب بالرئاسة في الولايات المتحدة، تطورا لافتًا، يمكن أن يؤدي إلى تعزيز النزعة الوطنية القومية الأوروبية، إذا قام بتنفيذ وعوده الانتخابية. هذه الموضوعات وغيرها، تناولها الباحث لطفي حاتم في كتابه الجديد الذي صدر أخيرًا تحت عنوان «المنافسة الرأسمالية وسمات بنيتها الآيديولوجية». ويشير الباحث، في مقدمته، إلى أن وحدة العالم الرأسمالية المستندة إلى السيادة الدولية لأسلوب الإنتاج الرأسمالي أثارت أشكالاً متعددة من النزاعات الوطنية والدولية الناتجة عن اشتداد نزعتين آيديولوجيتين؛ أولاهما: النزعة الأممية التي يسعى لها الرأسمال الأميركي... وثانيتهما: النزعة الوطنية لدول الرأسمالية الناهضة كرافعة آيديولوجية لصيانة مصالحها الاستراتيجية. قسم الباحث الكتاب إلى فصلين؛ الأول المعنون «وحدانية التطور الرأسمالي واحتدام المنافسة الرأسمالية»، تناول فيه الاستراتيجية الأميركية، واستراتيجية الدول الرأسمالية الناهضة، واحتدام المنافسة بينهما للسيطرة على العالم، متناولاً سمات كل منها. ففيما يخص الاستراتيجية الأميركية، يرى الباحث أن ركائزها تحدد بكثير من النقاط، منها: ضمان التفوق الاقتصادي العسكري التكنولوجي في العالم لغرض إدامة الزعامة الأميركية، الاستبدال بالشرعية الدولية شرعية أطلسية وقوانين أميركية عابرة لحدودها الوطنية، تفكيك الدول الاتحادية في محاولة لإعادة بنائها بما يتجاوب مع المصالح الأميركية، تخريب الدولة الوطنية والاستبدال بمفهوم السيادة الوطنية سيادة وهمية تحكمها ضوابط عرقية وطائفية وأخيرًا إيكال تدخلها العسكري المباشرة إلى الدول الحليفة لها لخوض الصراعات الإقليمية نيابة عنها، ص 31 و32. وفيما يخص استراتيجية الدول الرأسمالية الناهضة (روسيا، الصين، الهند)، فإن أبرز سماتها: تشديد النزعة الوطنية كآيديولوجية ضامنة لوحدة البلاد السياسية، واعتماد سياسة دولية قوامها احترام مبادئ الشرعية الدولية ورفض التدخل بالشؤون الداخلية، تطوير قدراتها العسكرية عبر التعاون العسكري المشترك، محاولة بناء مؤسساتها المالية لتقليل الاعتماد على المؤسسات الدولية. أشار الباحث إلى أن المنافسة بين الاستراتيجيتين أدت إلى تنامي النزعة الوطنية القومية، وأثر ذلك على صعود شعبية القوى اليمينة المحافظة، ليس بسبب البرامج التي تقدمها للناخب، بل احتجاجًا على سياسة اليمين الوسط الذي حكم أغلبية الدول الأوروبية خلال العقود الأخيرة. يعطي الباحث أهمية لموضوع اليمين المتطرف في الدول الرأسمالية وسماته، في الظروف الراهنة، ويعطي توصفيًا مكثفًا بنقاط مكثفة، منها: 1- منظمات اجتماعية تعتمد الوطنية المترابطة وروحًا عنصرية توسعية، فكرًا آيديولوجيًا محركًا لفعاليتها السياسية. 2- تشكل قاعدة اجتماعية من شرائح طبقية متعددة يشدها الإحباط الاجتماعي الناتج عن الأزمات الاقتصادية الملازمة لتنازع تطور بنية الاقتصاد الرأسمالي. 3- تبلور توجهات اليمين المتطرف خشية الطبقة الرأسمالية الوطنية من فقدان مواقعها الاقتصادية التي أضعفتها حركة اندماجات الشركات الكبرى، ص 53. في القسم الثاني يتناول الباحث مفهوم اليمين العربي المتطرف وسماته الفكرية، مركِّزًا على أسباب صعود اليمين الإسلامي السلفي التي يرجعها إلى عجز الدول الوطنية العربية، وعبر مراحل تطورها، عن إنجاز قوى اجتماعية يشكل فكرها السياسي مرجعية وطنية لضبط مسار تطورها، مشيرًا إلى أن غياب التيار الليبرالي في البينة السياسية للبلدان العربية أدى إلى ضعف المكانة الاجتماعية للدولة الوطنية وضياع آيديولوجيتها الوطنية. ويرى الباحث إلى أن ما أنتجه الإسلام السلفي الإرهابي من موضوعات فكرية تتجاوب وميول العولمة الرأسمالية، خصوصًا فيما يتعلق بسعي «السلفية الجهادية» إلى إلغاء الدولة الوطنية واستبدالها بدولة الخلافة المرتكزة على استبدال المصالح الوطنية والقومية الملموسة بمصالح إسلامية أممية افتراضية. وبهذا المنحى تتلاقى السلفية الإسلامية مع أممية رأس المال العابر للحدود الوطنية، مشيرًا إلى أن «السلفية الجهادية» تنهج العنف الإرهابي لتفكيك الدولة الوطنية ونظمها السياسية لغرض بناء دولة الخلافة الإسلامية التي تستند، حسب رأيه، على كثير من المرتكزات، منها: أ- تحويل الدولة الوطنية وسلطتها التنفيذية إلى إمارات تشدها روح آيديولوجية تحددها أطر مذهبية إسلامية. ب- بناء دولة الخلافة الإسلامية على مبدأ وحدة السلطات مع إعلاء مركزية السلطة التنفيذية المتمثلة بسلطة الأمير. ج - تعمل الإمارة الإسلامية على حل الجيوش الوطنية واستبدالها بفصائل إنكشارية مسلحة. د- البرنامج الاقتصادي لـ«السلفية الجهادية» يرتكز على إعلاء شأن القطاع التجاري لإدارة الثروات الوطنية بالترابط مع الشركات الاحتكارية الرأسمالية. ه- سيادة العنف الفكري يعتمد على آيديولوجية تعتمد التجربة التاريخية الإسلامية الرافضة للحوار والتنوع الفكري. بعد تحليل طبيعة السلفية الجهادية الإسلامية، يتوصل الباحث إلى أن «(السلفية الجهادية) الإرهابية، تشكل يمينًا عربيًا متطرفًا أفرزته الميول المتناقضة لرأسمال معولم، وبهذا السياق تختلف (السلفية الجهادية) الإسلامية عن اليمين الأوروبي المتطرف في موقفها من الدولة الوطنية، فبينما يسعى اليمين الأوروبي المتطرف إلى إعادة بناء الدولة الوطنية بروح عنصرية، نجد الفعالية السياسية لـ(السلفية الجهادية) الإسلامية تتلاقى وأممية رأسمال المال الهادفة إلى إضعاف وتخريب الوطنية» (ص 60). أخيرًا يختتم الباحث كتابه بتناول تغيرات السياسة الدولية وتأثيرها على منطقة الشرق الأوسط التي شهدت احتجاجات شعبية لم تحقق الأهداف المرجوة منها، بسبب كثير من العوامل، منها، أولاً: فشل الاحتجاجات الشعبية في تقديم البديل الوطني الديمقراطي، ثانيًا: بسبب غياب كتلتها الوطنية المناهضة للاستبداد، ساعدت الاحتجاجات الشعبية على نهوض تيار الإسلام السياسي وانتشار فصائله المتطرفة الهادفة إلى تقويض الدولة الوطنية، ثالثًا: أشارت الاحتجاجات الشعبية إلى عجز النظم السياسية العربية التسلطية المتسمة بغياب الديمقراطية وتوارث السلطة عن إنتاج قوى اجتماعية قادرة على موازنة المصالح الوطنية مع المصالح الدولية، رابعًا: فشل وتعثر الدبلوماسية الأميركية وعدم وضوح توجهاتها السياسية في التعامل مع المطالب الشعبية. المنافسة الرأسمالية وسمات بنيتها الآيديولوجية المؤلف: د. لطفي حاتم دار النشر: دار الحكمة، القاهرة 2016 عدد صفحات الكتاب: 148 من القطع الكبير.

مشاركة :