يوسف أبولوز ظهر في سبعينات القرن العشرين أو في نهاياتها ما سمي آنذاك قصيدة اللقطة.. أو قصيدة المشهد، وهناك من أعطاها اسماً ثالثاً قصيدة الحالة، والتوصيفات الثلاثة هي لقصيدة واحدة لمئات الشعراء، ويقال إن هذا النوع من الشعر الذي هو شعر اللحظة، أو شعر الصورة الشعرية الخاطفة جاء من تراث الفرنسي جاك بريفير، من خلال قصائده القصيرة، وبكلمة ثانية، فإن هذا النوع من الشعر هو في الإجمال قصائد قصيرة، وسوف يذهب عدد كبير من شعراء تلك المرحلة إلى القصائد القصيرة.. فمتى يميل الشاعر إلى القصر، ومتى يميل إلى التطويل؟. شعر القصيدة القصيرة يبدو كما لو أنه شعر المقاهي، أو شعر الأرصفة،.. شعر يكتب بسرعة، ويختطف اختطافاً من الأمكنة ومن الأزمنة،.. كما لو أنك مسافر في قطار والصور تتوالى راكضة أمامك من النافذة التي تجلس بالقرب منها، أو كما لو أنك جالس في مقهى والمطر يتساقط في الخارج.. أو كما لو أنك جالس في صالة مطار بانتظار رحلة تأخرت. أو أنك وحيد أو مع صديق أو امرأة في حديقة، أو أنك وحيد بانتظار امرأة. أو أنك جالس في شرفة وتتأمل مشهداً من بعيد. أو أنك قرأت كتاباً أو رواية بشكل خاص وتركتْ القراءةُ فيك أثراً هو أثر الشعر، وكم من الروايات ألهمت الكثير من الشعراء. شعر القصائد القصيرة بهذا الشرح يعني أنه شعر الصدفة. لا تنتظر وحياً ولا تنتظر إلهاماً. أنت هنا تكتب ومن وحي اللحظة، أو من وحي المشهد بالقليل من الكلمات، ولكن لا يعني هذا أن القصيدة القصيرة هي أشبه بقصيدة الهايكو.. كلمات معدودات، بل، قد تنطوي القصيدة القصيرة على فكرة ويمكن تطويرها وتوسيعها لتصبح قصيدة طويلة. السؤال هنا.. هل يعيد الشعراء، أحياناً أو غالباً، النظر في القصائد القصيرة نحو تمديدها إلى قصائد طويلة. في الواقع لا أحياناً ولا غالباً يلجأ الشاعر إلى ما يمكن تسميته (البناء على البناء).. البناء الشعري على البناء الشعري.. إنما تولد القصيدة (صغيرة أو قصيدة) كما هي، وتظل كما هي صغيرة قصيرة لها رنة وصوت وإيقاع و(ثياب خاصة بها) إن جازت العبارة. هنا، دعنا نذهب إلى العكس.. هل يلجأ الشاعر إلى اختصار قصيدة طويلة؟ نعم.. وإن لم يفعل هو بنفسه يقوم القارئ بحذف ما يريد من القصائد الطويلة. يسمي القارئ المحترف بعض القصائد الطويلة ب القصائد المطاطة، وبكلمة ثانية القصائد المترهلة، وكانت قصيدة الأرض الخراب أو الأرض اليباب ل إليوت طويلة أو مطاطة من وجهة نظر صديقة عزرا باوند، فقام هذا الأخير باختصار قصيدة إليوت، ورمى ما اختصره إلى الأرض، وكان إليوت رائعاً عندما رأى شعره يختصر على يد عراب شعري كبير مثل باوند.. فلم يغضب، ولم يكن على رأسه إكليل الطاووس المغرور. .. بقي سؤال صغير.. متى يلجأ الشاعر إلى القصائد الطويلة؟ الأرجح أن هذا النوع من الشعر لا يكتب في مقهى أو حافلة أو صالة ترانزيت. شعر كهذا يشبه السرد أو الرواية، ويفرض على كاتبه عملاً شاقاً مثل الأعمال الروائية الشاقة. الشعراء لا يشتغلون مثل الروائيين والمؤرخين والباحثين في علوم المجتمع والطبيعة. يكتبون قصائد طويلة وقصيرة في المقاهي، وفي المكاتب وفي المحترفات، وهم في النهاية.. مئات الشعراء.. لقصيدة واحدة.
مشاركة :