إما أن تكون للثورة نهاية وإما أن يكون فيها جديد

  • 1/10/2017
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

ومرَّ عام آخر، وجاء يناير/كانون الثاني آخر، ولا جديد، الأعوام تمر، عاماً بعد عام، ولا جديد، لم يعد هناك أي جديد في ثورتنا المصرية على الانقلاب العسكري الدموي في الثالث من يوليو/تموز عام 2013م، لم يعد هنالك أي جديد إلا المزيد من الضعف والفتور في الحركة الثورية، فباتت حضوراً رمزياً في فعاليات قليلة هنا وهناك، المزيد من القوة والسطوة والسيطرة لأجهزة الانقلاب العسكرية والأمنية والمخابراتية، المزيد من التشرذم والتشظّي لقوى الثورة وجماعاتها. وإذا قال قائل: هناك جديد في الحالة الاقتصادية، فقد أوصلنا الانقلابيون إلى حالة من التردّي الاقتصادي غير المسبوق، حالة من الإفلاس التام، أو تبعد عن الإفلاس التام بخطوة واحدة. إذا قال قائل ذلك، لقلنا له: لا تعويل على الانهيار الاقتصادي في كسر الحالة الانقلابية، وكسر العسكرية الديكتاتورية القائمة، وما ثورة الغلابة عنا ببعيد، ذلك اليوم الذي تنادى إليه المتنادون: أن هبّوا أيّتها الجموع من أجل لقمة عيشكم التي تلاعب بها المتلاعبون، هبّوا من أجل رواتبكم التي توشك أن تُحجب عنكم، هبّوا من أجل أسعار سلعكم التي تضاعفت ضعفين وثلاثة. ثم ماذا؟ ثم مرّ اليوم كأضعف ما يكون، وما كنا نعول عليه كثيراً، فيقيننا أن الجوعى لا يصنعون ثورة ولا يُنجحونها، بل يموتون جُوعاً في بيوتهم، ويسمعون أصوات الثائرين في الشوارع، فيُحكمون إغلاق أبوابهم من أجل أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة بسلام. قبل ذكرى الخامس والعشرين من يناير الماضي، كتبت تحت عنوان (ذكرى يناير القادمة..الأخيرة أو قبل الأخيرة)، وذكرت أن ذكرى يناير المقبلة -حينها- ستكون الأخيرة في مسيرة الثورة المصرية، أو ستكون قبل الأخيرة. وكان ذلك يعني، من وجهة نظري، أنه إذا مرَّت "يناير" حينها بغير حسم، فـ"يناير" التي بعدها ستكون الأخيرة، ولن تأتي "يناير" الثالثة والثورة لا تزال مستمرة، فإما ستنجح هذه الثورة في كسر ذلك الانقلاب، وإما ستنتهي ويبقى النظام قائماً. ولا يزال رأيي كما هو، بل تأكَّد في ظني أكثر وأكثر، ها هي "يناير الماضية" قد مرت بلا حسم، وها هي "يناير الحالية" قد أتت، والوضع يزداد سوءاً بعد سوء. لن تأتي "يناير القادمة" والوضع هو الوضع، إما حسماً للثورة، وهذا ما بات في دائرة الشك، وإما نهاية لها. لم يعد من المقبول أن يبقى الحال كما هو عليه، خمول ثوري طويل، وسطوة عسكرية كبيرة، وقتل وتشريد وتهجير. ليس من الحكمة أن تستمر في معركة، وأنت تخسر كل يوم فيها عن اليوم الذي قبله، ولا يلوح لك أي لائح جديد فيها، يعينك على الاستمرار والبقاء. لا بد من جديد في هذه الثورة، فإن لم يكن هناك جديد، فلا بد من نهاية لها، والجديد الوحيد الذي من الممكن أن يعيد الحياة لهذه الثورة ويجعل الاستمرار فيها مقبولاً، هو أن يعود الاصطفاف الثوري الذي كان في ثورة يناير كما كان. هذا هو الخلاص الوحيد لهذه الثورة، فإن عجز رفاق ثورة يناير عن إحداث ذلك الاصطفاف، فإنه من الأكرم لهم أن يعلنوا نهاية الحالة الثورية برمَّتها. وقد انتهت هذه الحالة الثورية عند أكثر هؤلاء الرفاق حقيقة، ولم تبقَ فاعلة، أو لم يبقَ فيها النبض إلا من طرف جماعة الإخوان المسلمين، التي تعجز حتى الآن عن لملمة باقي رفاق الثورة من حولها، والعودة إلى الشارع في حالة تلاحم شعبي ثوري حقيقي. اللوم لا يقع على الإخوان المسلمين في إفشال فكرة الاصطفاف الثوري، ولا يقع اللوم على باقي رفاق الثورة كذلك، وإنما يقع اللوم على الجميع. فكل طرف من الأطراف قد استمسك برؤيته وشروطه، وبقي الأمر معلقاً، وبقيت الثورة معلقة، وبقي مصير الوطن معلقاً. بقي مصير الوطن معلقاً بين عسكر حِرفتهم القتل والظلم والنهب، وبين رفاق ثورة باتت حِرفتهم الاختلاف والتضاد، بل والتراشق وكيل الاتهامات. أمام رفاق الثورة فرصة كبيرة، فالحالة الاقتصادية المتردية إن كانت لن تدفع جموع الناس للخروج ضد النظام، فستصنع غضباً شعبياً عاماً يقبل أي حراك ضد هذا النظام. كما أن قضية تيران وصنافير، وتنازل النظام عنهما لصالح السعودية، وموافقة مجلس الوزراء على الاتفاقية الخاصة بهما، وإحالة الأمر إلى مجلس النواب، كل ذلك يؤجج حالة من الغضب السياسي العام. حالة من الغضب الشعبي العام مع حالة من الغضب السياسي العام، وفرصة كبيرة لإحداث جديد في حالتنا الثورية المصرية. فإذا لم يكن ثمة جديد الآن، وإذا لم يكن ثمة جديد في الأفق، فلتكن ثمة نهاية، وكفى قتلاً وتشريداً وتهجيراً لعشرات الآلاف من أبناء هذا الوطن، الذين حلموا بالحرية، لكنهم ما كانوا يعلمون أنهم يحلمون بالمستحيل، وأنهم سيستيقظون من حلمهم على هذا الكابوس الكبير. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :