غزة ـ على مدى أسابيع استطاع سكان غزة تدبير حالهم بأقل من نصف الإمدادات المعتادة من الكهرباء التي لا تأتيهم سوى ساعات قليلة في اليوم في حين لا تلوح أي بوادر على أن النقص ستخف وطأته في أي وقت قريب وهو ما يغذي شعورا بالضيق والإحباط بين السكان. وفي العادة تأتي الكهرباء بالتناوب في دورات من ثماني ساعات وتقدم مولدات الكهرباء لأولئك الذين يمكنهم تحمل كلفتها في أوقات انقطاعها. لكن منذ أواخر العام الماضي أصبحت الكهرباء تأتي ثلاث أو أربع ساعات فقط في المجمل يوميا. وتصاعدت بشدة تكاليف تشغيل المولدات. ويحاول الناس إضاءة وتدفئة منازلهم بالشموع أو بحرق بقايا الأخشاب. وتستيقظ الأسر في جوف الليل عندما تأتي الكهرباء أحيانا فيسارعون إلى الاستحمام أو غسل الملابس. ولكن قدرة الغزيين على التأقلم لم تكن كافية لاحتواء شعورهم العارم بالسخط تجاه حكم حماس الذي يعتقدون أنه السبب الأول للمشاكل التي يعاني منها القطاع. وفرقت الأجهزة الامنية التابعة لحماس الخميس مسيرة شارك فيها الالاف في شمال قطاع غزة احتجاجا على ازمة الكهرباء باطلاق اعيرة نارية في الهواء واستخدام الهراوات ما ادى الى اصابة مصور لوكالة فرانس برس بجروح. واكد شهود عيان ان المسيرة التي دعا اليها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي انطلقت من مخيم جباليا للاجئين وحمل المشاركون يافطات كتب على احداها "بدنا كهربا يا قيادات"، كما رددوا هتافات من بينها "بدنا كهربا". وتوجهت المسيرة الى مقر شركة توزيع الكهرباء شمال القطاع، الا ان عناصر الامن التابعين لحماس اطلقوا اعيرة نارية في الهواء وفرقوا المتظاهرين بالهروات. ورشق عدد من المتظاهرين مقر شركة توزيع الكهرباء بالحجارة. من جانبه قال اياد البزم المتحدث باسم وزارة الداخلية التابعة لحماس ان "المسيرة خرجت بشكل طبيعي وعفوي في شوارع المخيم وحين اقتربت من مقر شركة الكهرباء حاول المحتجون القاء الحجارة على الشركة والقيام باعمال شغب فقامت الشرطة بدورها في حماية مقر الشركة من الاعتداء". وقال مازن أبو ريالة وهو صياد أسماك عاطل وأب لخمسة أولاد بينما كان يجلس حول موقد بدائي يستخدمه لتدفئة منزله "إحنا عايشين مثل الفئران... هل أنتظر حتى نحترق؟ أم أنتظر أن أرجع ذات يوم وأجدهم (أولادي) قد احترقوا لأنهم أشعلوا شموعا؟". وتفجرت اشتباكات الخميس بين الشرطة ومحتجين في مخيم جباليا للاجئين بعد أن تجمع آلاف الأشخاص للاحتجاج على نقص الكهرباء. ورشق المتظاهرون الشرطة بالحجارة وسُمعت أصوات طلقات نارية. وقال متحدث باسم الشرطة إن القوات كانت تحاول منع الحشد من اقتحام مقر شركة الكهرباء. وسبب نقص الكهرباء بسيط ومعقد في نفس الوقت مع إلقاء بعض المواطنين باللوم على حركة حماس الإسلامية التي تدير قطاع غزة في حين يلقي مسؤولو حماس باللوم على السلطة الفلسطينية التي يوجد مقرها في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل في حين يشير آخرون بأصابع الاتهام إلى إسرائيل. والتفسير البسيط هو أن غزة تحتاج إلى 450-500 ميجاوات من الكهرباء يوميا لكنها تحصل بصعوبة على ثلث ذلك المقدار. ويجري إنتاج حوالي 30 ميجاوات في محطتها المتقادمة للكهرباء في حين يجري استيراد 30 ميجاوات من مصر وتقدم إسرائيل 120 ميجاوات. ومع هبوط درجات الحرارة إلى أربع أو خمس درجات مئوية في الليل يحاول الناس تشغيل أجهزة للتدفئة تعمل بالكهرباء وهو ما يزيد بشدة الطلب على الطاقة. ومحطة الكهرباء المحلية التي أصيبت بأضرار شديدة في قصف إسرائيلي أثناء الحرب في 2006 وما زالت تعمل عند حوالي نصف قدرتها يمكنها إنتاج قدر ضئيل إضافي لكن لا توجد أموال كافية لشراء وقود لتعزيز الإنتاج. ومع فواتير للمستهلكين غير مدفوعة قيمتها حوالي مليار دولار فإن شركة الكهرباء ليست في وضع يسمح لها بالسعي إلى مزيد من الاقتراض. لكن مع إبقاء إسرائيل ومصر على حصار صارم حول غزة فإن الحصول على قطع الغيار ليس أمرا سهلا. وفي العادة تقوم السلطة الفلسطينية التي تدفع مقابل الكهرباء التي توردها إسرائيل ومصر بتحويل الوقود إلى غزة وتعفيه من معظم الضرائب. لكن بسبب مصاعبها المالية فإنها لم تعد تعوض عن كل الضرائب وهو ما يثير غضب حماس. وقال فوزي برهوم المتحدث باسم حماس إن الحركة منفتحة على حلول واتهم السلطة الفلسطينية باستخدام الأزمة كوسيلة "لتشويه سمعة حماس والتضييق على سكان قطاع غزة." ويمكن لشركة الكهرباء في إسرائيل توريد المزيد من الطاقة ولديها احتياطي يمكنها من أن تفعل هذا لكنها لم تحصل على مستحقاتها المالية عن جميع الكهرباء التي أمدت بها القطاع في السابق وتريد ضمانات مالية قبل أن تسلم المزيد من الإمدادات. ويتزايد غضب مليوني شخص يسكنون قطاع غزة. وشهد القطاع احتجاجات ومن المنتظر أن يشهد المزيد. وقال عادل المشوخي وهو ممثل فكاهي محلي الأربعاء بعد ساعات من بثه تسجيلا مصورا على فيسبوك ينتقد حماس بسبب نقص إمدادات الكهرباء. وسرعان ما حظي التسجيل بعدد 180 ألف مشاهدة. ويقول المشوخي في التسجيل المصور "ما فيش شغل وما فيش معابر وما فيش أكل ولا مياه للشرب.. وكمان ما فيش كهربا." وأضاف قائلا "بيكفي يا حماس.. بيكفي .. بيكفي .. بدنا كهربا .. بدنا كهربا.. بدنا كهربا." وفي الليل تشهد غزة ظلاما دامسا في غياب أضواء في الشوارع أو كهرباء في معظم المنازل. وعلى نواصي الشوارع يمكن مشاهدة حرائق أشعلتها مجموعات صغيرة التماسا للدفء. ويمكن سماع ضوضاء المولدات من بعض المصانع ومنازل للأثرياء لكن معظم السكان ليس في مقدورهم استخدام مولدات الديزل 20 ساعة يوميا. وقال هيثم بدرة وهو صاحب مخبز إنه يعاني خسائر ضخمة لأنه مضطر لشراء المزيد من الوقود للمولدات. وأضاف قائلا "كنا بنستعمل 1500 لتر سولار للموتور أسبوعيا .. الآن بنشتري 4000 لتر أي ما يعادل قيمته 20 ألف شيكل (5250 دولارا)... لو استمرت هذه الأزمة أكثر من اللازم جميع مخابز غزة وجميع مطاعم غزة راح تنهار." وقال طارق لبد وهو متحدث باسم شركة توزيع الكهرباء إن غزة تحتاج في العادة 450 ميجاوات يوميا لكن ذلك تزايد بسبب ارتفاع الطلب في الشتاء. وحذر من أن انقطاع الكهرباء سيزداد حدة. وأضاف قائلا "الأزمة.. ما لم توجد حلول لها جذرية ستتفاقم أكثر من ذلك وستصل ساعات القطع إلى أكثر مما هي عليه اليوم."
مشاركة :