كثر الحديث عن الشاي الأخضر، وإن شئت فقل الشاي الصيني، بشقيه جاسمين، والعادي، وكل منهما يقع تحته عدد غير قليل من الأنواع، وبأشكال متفاوتة، من المنثور إلى المحبب، إلى الكتل، أما التعليب فحدث ولا حرج، وربما يتحدد السعر بمقدار جمال التعليب وليس اختلاف النوعية. هناك أنواع من الشاي، أوحى مسوقوها للمستهلكين أنها تختلف عن غيرها من حيث الطعم أو الرائحة أو مقدار الفائدة الصحية، والحقيقة أن ذلك مبالغ فيه، وفي الغالب فإنه لا يوجد فرق، وإن وُجد فلا يتناسب مع فارق السعر الذي يتم نسج أنواع الحديث حوله، لكنها العلامات التجارية للشاي شأنها شأن عالم المستهلكين الآن في جميع أنحاء العالم لجميع أنواع البضائع، فلا هَمَّ للمستهلك - مع كل أسف - إلا البحث عن العلامة التجارية ليفتخر أنه يقتنيها، ويظهرها من باب المظاهر والزهو، وليس من باب قضاء حاجته لها. والشاي ليس بمختلف عن ذلك المسلك القائم في عصرنا الحاضر، ولذا فإن هناك أنواعاً من الشاي الأبيض، وآخر أخضر اللون غالي الثمن. وقد تصل أسعار بعضها إلى آلاف الدولارات للكيلو الواحد. ولقد أتيح لي عندما كنت أعمل في الصين أن أتذوق عدداً لا بأس به من أنواع الشاي، وأحتسيها بعد تحضيرها بمعظم طرق التحضير المختلفة، التي تتفاوت بين المقاطعات بل والمدن داخل الصين، وكذلك خارجها في سائر أنحاء العالم، كما أن الطقوس المصاحبة لتحضير الشاي تضيف إلى محضريها ومحتسيها نوعاً من البهجة والإشباع. لقد أحضر إليَّ أحد الصينين عندما كنت في الصين شاياً أخضر، أبدع في وصفه وصفته، وذكر أنه مزروع في جبل لا يُزرع فيه سواه، وأن فيه من الميزات ما يجعله مختلفاً عن غيره، وقدم إليَّ عينة وأدوات الطقوس التي يحضر بها، وبعد أن تم التحضير وتذوقت الشاي لم أجد فيه اختلافاً عن غيره، فسألته عن السعر، فذكر أن الكيلو منه يساوي نحو عشرين ألف دولار، هذا قبل خمسة عشر عاماً، فما هو سعره يا تُرى هذا الزمان؟ أوردت هذا لأقول، لأنه كثر الحديث عن أن الشاي الأخضر أكثر فائدة من الشاي الأسود، وهذا فيه نظر، والشائع أن الإكثار من شربه ليس له أعراض جانبيه، بل يساعد في التنعم بمزيد من الصحة ومقاومة الأمراض، وهذا غير صحيح. ومن الناحية الكيمائية فإن الشاي يحتوي على بعض المركبات منها من 20% إلى 30% من حمض التنيك المعروف بمقاومته للالتهاب والميكروبات، وكذلك مادة الكافيين بنسبة تصل إلى 5%، والمعروفة بتهدئتها للأعصاب، وهناك من يقول إن الشاي ذو الرائحة العطرية يخفف الوزن، وهناك من يقول إن شرب الشاي الصيني يقلل الأثر السيء للنيكوتين، وهذا لم أجد إثباتاً علمياً للأخذ به. الحقيقة أن الإفراط في شرب الشاي يعني المزيد من حمض التنيك، وهذا الحمض يؤثر على إفرازات المعدة، مما يؤدي إلى عُسر الهضم والإمساك، وأما الصينيون فلديهم مقولة تقول "من الأولى أن تبقى ثلاثة أيام دون أن تتناول الملح خير من أن تبقى ثلاثة أيام دون أن تشرب الشاي". والحقيقة أن الشاي الأحمر قد تعرض للحرارة، ولهذا فقد فقد بعضاً من خواصه الضارة، بينما بقي الأخضر بحسناته وسيئاته، لا فرق بين الاثنين، سوى أن الشاي الأسود قد تغير لونه وفقد شيئاً من النيكوتين والكافيين. لذا فإن المبالغة في الثناء على الشاي الأخضر والإفراط فيه ضرره أكثر من نفعه، ومساوئه أكثر من محاسنه. ومن المناسب أن نورد أسباب اهتمام الصينين بالشاي، والبعد الفلسفي لذلك. فقد قاد دخول البوذية إلى الصين راهب يقال له "بودنجرما"، وقد قَدِم من الهند إلى الصين عام 525 ميلادية، وظل هذا الراهب ينظر بتأمل إلى أحد الجدران لمدة تسع سنوات، وبعد أن غفا قليلاً أفاق وهو مغضب، لأن جفنيه قد قطعا عليه استغراقه في التأمل، فما كان منه إلاّ أن قطعهما بآلة حادة، فسقطا على نبات الشاي الذي أصبح نموه جيداً كما يزعمون، وهذا يفسر ذلك الربط بين البوذية والشاي، فهم يرون أن الشاي كما قد أكسب بركة ذلك الراهب يساعد على التركيز. لهذا، فإن ما يقال عن الشاي مع ما فيه من إيجابيات وسلبيات لا يخلو من البعد المعتقدي في بركة الشاي وفائدته، ولهذا كانت حاضرة وسار عليها الناس من بعد، وللشاي أمثال كثيرة.
مشاركة :