خط الفقر وخط الكفاية

  • 1/13/2017
  • 00:00
  • 62
  • 0
  • 0
news-picture

< في تحليل الاقتصاد الاجتماعي، السوق أصل والحكومة والقطاع الخيري استثناء، فالأصل أن المعيشة والتعامل بين الناس تتم في السوق، والإنسان يقدم خدمة العمل أو يتاجر أو يحترف صنعة يكسب منها قوته أو قوّته الشرائية، ليذهب للسوق ويشتري حاجاته من دون حاجة إلى تدخل الحكومة أو القطاع الخيري. وتدخّل الحكومة وبعدها القطاع الخيري جاء بسبب إخفاق السوق في التعامل مع من لا يملك قدرة شرائية يستطيع بها أن يشتري من السوق لأي سبب. ولذا، فلا بد من أن يكون تدخلهما موجهاً لدعم اقتصاد السوق، من خلال تعليم الشخص الفقير حرفة أو إعانته في تجارة، أو تعليمه صنعة ليكون قادراً على الالتحاق باقتصاد السوق، ولا يظل فقيراً معتمداً دائماً على ما تقدم له الحكومة أو القطاع الخيري من دعم وإعانة، (يقتصر الدعم والإعانة الدائمة على فئة قليلة عاجزة أو كبيرة السن). لو نظرنا إلى طبيعة العمل الحكومي في شِقه الاجتماعي أو القطاع الخيري عندنا لوجدناه يقوم غالباً على الطريقة التقليدية من توزيع أرزاق وتجهيز سكن للمحتاجين وإعانتهم بمبالغ نقدية صغيرة، وهذا جيد ولكنه غير فاعل، فهو لا يخرجهم من الفقر والحاجة ولا يؤهلهم ليكونوا أشخاصاً قادرين للاعتماد على أنفسهم، أي أنه لا يكمل نقص السوق وإخفاقها، وإنما يبقي على دائرة المحتاجين مكانهم، وهذه الدائرة تكبر وتتسع سنوياً بسبب تزايد المحتاجين، وعدم تخريج دفعات منهم لاقتصاد السوق. هذا الأسبوع أصدرت مؤسسة الملك خالد الخيرية تقريراً مميزاً قالت فيه إن حد الكفاية في السعودية هو 12496 ريالاً لأسرة مكونة من 7 أشخاص، وأوصت بعدة توصيات لتطوير منظومة الدعم الحكومي في المملكة - أتفق معها كثيراً - ومنها ضرورة عقد ورش عمل لاعتماد منهجية علمية متفق عليها لقياس خط الفقر النسبي (خط الكفاية)، وضرورة إنشاء هيئة عليا تابعة لمجلس الاقتصاد والتنمية، لتطوير وتقويم برامج الحماية الاجتماعية، والتأكد من عدم تضرر الطبقات منخفضة الدخول من أية قرارات صدرت أو ستصدر لاحقاً في خضم التغيير الذي تشهده المملكة حالياً. في السعودية، يجب ألا نتحدث عن خط الفقر ولا من يبلغ دخله دولار في اليوم فنحن بخير والحمد لله، ولا يوجد لدينا ما يسمى الفقر المدقع - بحسب تقرير وزارة الشؤون الاجتماعية سابقاً - وإنما يجب أن نتفق بحسب ما أوصت المؤسسة على خط للكفاية، وهو الحد الأدنى الذي يضمن الحياة الكريمة للأسرة. ويمكن حساب هذا الخط من خلال دالة استهلاك تتضمن متغيراتها مقدار حاجة الأسرة وإنفاقها على السكن والغذاء والتعليم والصحة والنقل والطاقة والترفيه وغيرها من المتغيرات، ومن ثم يبدأ توجيه منظومة الدعم الاجتماعي بحسب هذه الدالة وربط متغيراتها بنسب التضخم، إذ يزيد الدعم بزيادة أسعار أي من مكونات هذه الدالة. في السعودية، نحتاج إلى أن نعود لتحقيق الهدف الرئيس للدعم الحكومي والدعم الخيري، فالأصل هو إكمال إخفاق السوق، ومساعدة الناس ليصبحوا قادرين على الاستغناء بالسوق عن منظومة الدعم كلها، وهذا يتطلب تصميم برامج خاصة لتعليم الناس وتطوير مهاراتهم، عملاً بمبدأ «لا تعطِني سمكة ولكن علمني كيف أصطاد». في السعودية، نحتاج كذلك إلى إعادة النظر في ما يسمى صناديق الرفاه الاجتماعي، وخصوصاً صندوقي التقاعد والتأمينات، فالأصل أن توفر هذه الصناديق للمتقاعد حياة كريمة ومريحة في شيخوخته وكبره بعد خدمة 30 عاماً وربما أكثر. وللأسف، فإن ما تصرفه صناديق التقاعد عندنا ضئيل جداً، وليس لها من اسم الرفاه أي نصيب. في السعودية، نحتاج إلى جهاز حكومي متخصص «هيئة أو مجلس مصغر» يكون مظلة لكل منظومة العمل الخيري، فالملاحظ أن كثيراً من الهيئات والجمعيات والمؤسسات تعمل بمبدأ «كل شيخ وطريقته»، ما يضعف الجهود ويشتتها على رغم كبر حجم الدعم الذي تصرفه الحكومة أو يتبرع به أهل الخير. في السعودية، نحتاج إلى حث الناس عن طريق خطبة الجمعة ووسائل الإعلام على التبرع في أعمال الخير التي تمس حياة الفقراء ومحدودي الدخول مباشرة، وبدلاً من بناء المسجد بجانب المسجد يمكن بناء شقق سكنية أو محلات تجارية تؤجر لمنخفضي الدخول بإيجارات رمزية، أو إنشاء مدارس مهنية تعلم أبناء الفقراء حِرفاً يعتاشون بممارستها. ختاماً، في المملكة لدينا دعم وفير وكافٍ يغطي منظومة الدعم الاجتماعي ويزيد، ولكن ينقصه التنظيم وحسن الإدارة والاعتماد على البحث والدراسة للوصول إلى الهدف. ولعل في تقرير مؤسسة الملك خالد الخيرية ما يغني عن الشرح، سوى التذكير بأن معيار نجاح الدعم الحكومي والخيري هو كم أغنى من أسرة وفرد وأخرجهم من طبقة الفقراء ومحدودي الدخل إلى طبقة الدخول المتوسطة والقادرة على الاستغناء بقوى السوق عن أي دعم حكومي أو خيري.     * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية.

مشاركة :