ترامب ومحددات السياسة الخارجية الأمريكية

  • 1/14/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

د. ناجى صادق شراب الكتابات والتحليلات التي تناولت فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية كثيرة،وتباينت فى خلاصاتها، وإن ركزت على أسباب فوزه. الآن وقد أصبح رئيساً ويستعد لتولي منصبه رسمياً بعد أيام، فهذا أمر لا يمكن تجاوزه. والسؤال المحدد: هل من تغييرات ملموسة في السياسة الخارجية الأمريكية ؟ وما دور الرئيس في بلورة وصياغة هذه السياسة ؟ وهل له حرية كاملة ومطلقة؟ بداية لا بد من فهم آليات النظام السياسي الأمريكي، وموقع الرئيس فيه. لا خلاف على محورية منصب الرئيس لدرجة أن النظام السياسي الأمريكي يعرف بالرئاسي، ويعتبر هذا المنصب الجائزة الكبرى التي يسعى للفوز بها الحزبان الكبيران الديمقراطي والجمهوري. إلا إن النظام السياسي الأمريكي ينفرد عن جميع النظم السياسية الأخرى بنظام الكوابح والجوامح، حيث يقيد الدستور الأمريكي صلاحيات السلطات السياسية بمنح كل منها سلطة رقابة ومشاركة غيرها من السلطات، والهدف واضح وهو عدم تغول أي سلطة فى ممارسة سلطاتها، فجاءت فكرة رقابة ومشاركة كل من السلطتين التشريعية والمحكمة الاتحادية للتصرفات والقرارات والسياسات الرئاسية. فالنظام السياسي الأمريكي يقوم أساساً على مبدأ الفصل المطلق بين السلطات ولكن المؤسسات تتشارك وتتقاسم هذه السلطات. فالكونجرس بمجلسيه يتقاسم سلطات السياسة الخارجية مع الرئيس، على الرغم من أن الرئيس هو الرئيس الأعلى للدبلوماسية الأمريكية، لكن التعيينات فى المناصب العليا تحتاج إلى موافقة الشيوخ، وتوقيع المعاهدات والاتفاقات الدولية تحتاج فى النهاية التصديق عليها من الكونجرس. وكذا سلطة إرسال قوات عسكرية أمريكية لمناطق النزاع فى العالم مقيد بموافقة الكونجرس، والمساعدات والمنح المالية تخضع لموافقة الكونجرس، لكن هذه السلطات تتوقف على طبيعة العلاقة بين السلطتين، ففي مرحلة معينة مارس الكونجرس كافة سلطاته،وفي مراحل أخرى قد يلتف الرئيس على هذه الصلاحيات، وهذا يتوقف على شخصية الرئيس وفعاليته والأغلبية الحزبية فى الكونغرس. والمحدد الآخر يتعلق بمبادئ وتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية، كدولة عظمى تسعى للحفاظ على هيمنتها على النظام الدولي ودورها القيادي في العالم. هنا تتراوح السياسة الخارجية بين اتجاهين رئيسيين عريضين، الاتجاه الانعزالي، الذي لم يعد قائماً أو مواكباً لدولة القطب الواحد، فلا يستقيم للولايات المتحدة أن تجمع بين تبني هذا التوجه وسعيها الدؤوب للحفاظ على أحادية القوة فى النظام الدولي، والانعزالية ليست بالمعنى السلبي المطلق، بل بالعزوف عن المشاركة الدولية الفاعلة المباشرة فى بعض القضايا الدولية، والتركيز على أولويات السياسة الداخلية، وهذا الاتجاه تبناه بشكل كبير الرئيس أوباما الذي نأى عن التدخل المباشر في بعض قضايا المنطقة، والاتجاه الثاني هو الاتجاه التدخلي الذي يقوم على الانخراط الأمريكي المباشر في العديد من القضايا الإقليمية والدولية حسب قربها من تهديد المصالح الأمريكية، واللجوء لكافة الوسائل بما فيها العسكرية كنموذجي التدخل في أفغانستان والعراق في عهد جورج بوش الابن. وبقراءة التصريحات السياسية لترامب فهو أقرب إلى الاتجاه الانعزالي، الذي يركز على القضايا الداخلية، لكن من خلال محاولة تبني الاتجاه التدخلي المقنن. وهناك وزارة الخارجية ووزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات ومجلس الأمن القومي، وكلها مؤسسات لها دورها في صياغة القرار الأمريكي وتعمل مساعدة ومعاونة للرئيس وتحت سلطته المطلقة، لكن في نظام تحكمه قواعد العملية الديمقراطية في صنع القرار،إذ لا يمكن للرئيس أن يتجاهلها كونه هو من يتحمل مسؤولية كل القرارات. ولا يمكن تجاهل تأثير التحولات في موازين القوى الإقليمية والعالمية وسعي روسيا لاستعادة دورها العالمي، وبروز قوى مهمة في مناطق تشكل أهمية استراتيجية للولايات المتحدة كالصين والهند، والاتحاد الأوروبي، فهذا المحدد يفرض نفسه على التوجه الذي يمكن أن تتبناه السياسة الخارجية ألأمريكية.. لذلك قد يغلب على السياسة الخارجية الأمريكية في سنواتها الأولى بعض العزلة وعدم الانخراط فى العديد من النزاعات الدولية، وعموماً لن يكون حل الكثير منها بعيداً عن التدخل الأمريكي. هذه بعض ملامح توجه السياسة الخارجية الأمريكية، لكن تبقى المصالح والثوابت الأمريكية أقوى من دور الفرد أياً كان الرئيس المنتخب. drnagish@gmail.com

مشاركة :