أصابع لوليتا 3 - د. إبراهيم بن محمد الشتوي

  • 1/14/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

حينما نتدبر الصلة بين شخصيتي الرواية، يبدو للوهلة الأولى أن الصداقة بينهما أمر طبيعي بناء على الظروف الموضوعية التي تحيط بهما، فهما من خلفية ثقافية اجتماعية واحدة، ويعيشان في بلد واحد، وقد مرا بظروف متشابهة. وقد بدا ذلك واضحا في حديث الفتاة، وهي تستعرض حياتها، وصلتها به، وتنجرف في دهاليز حياته، وتسمح له بأن يجوس خلال تفاصيلها دون حرج أو تحسس، بل كانت تدفعه إلى ذلك حين تستعرض حياتها أمامه، وتربط بين كتبه ومراحل حياتها، فتكرر أنها مدينة له، إذ كانت كتبه الحائل الوحيد بينها وبين الانتحار. هنا يسقط السؤال عن سبب نجاح هذه الفتاة في الدخول إلى عالمه، والقدرة أن تتسلل إلى محل قريب منه في مدة وجيزة، فالخلفية التي جاءا منها تجعل من السهل التوافق، في الآراء، والذوق، وفي المواقف من الأشياء نفسها، ظهر ذلك في الجولة بين الكنائس ومحال العبادة التي دارا فيها، وفي الجلوس في الأماكن العامة التي جعلتهما يشعران بأن هذه الأماكن لا فرق بينها بالنسبة لهما، فإذا كانا ينحدران من أحدها، فإن أهل الأخرى هم الذين آووهم، وأطعموهم من جوع، وآمنوهم من خوف. وإذا كان عالم الموضة بعيدا عن عالم الأدب بادئ الرأي، فإن الحقيقة خلاف ذلك، فالموضة هي نوع من الفن والإبداع، فالألوان، والخطوط التي تتحول الى خيوط، وإشباع الحواس على اختلافها هو نوع من الفن، يغذيه الخيال الذي هو أساس الأدب، والكلمة. وهذا جانب آخر من اللقاء بين الشخصيتين إذا أضفناه إلى أنهما معا ناجحان في عملهما، فإذا كان هو كاتب كبير، فهي أيضا عارضة معروفة في مجالها، وصورها تغطي مجلات الأزياء، ومشاريعها لا تكاد تنتهي، والشركات تتسابق لتوقيع العقد معها للقيام بتسويق منتجاتها. فاللقاء بين نموذجين متماثلين، لا يحول بين انصهارهما، وثقة كل واحد منهما في الآخر حائل، ويصبح الارتباط صورة من إكمال النوع لا يثير الريبة، ولا يحمل ما يجعل الشخصية تتردد في قبول هذا الطارئ في حياتها، على الرغم من تحذيرات المترجمة التي أشير إليها في المقال السالف. وهي المفارقة التي تجعلنا نشعر في البداية أنها تحذيرات تنطلق من واقع غيرة تشعر بها تجاه امرأة تنافسها في المكانة لدى الرجل الأثير، خاصة أنها تتفوق عليها في مقومات كثيرة عددناها من قبل، سوى أنها من بلده، وتشترك معه في ثقافته، ولسانه. ومخاوف المترجمة تتوافق مع الحالة الخطيرة التي يعيشها الكاتب منذ نشر كتابه «عرش الشيطان»، الذي استثار قطاعا كبيرا من المتلقين، واستنفر قوى الأمن في أوروبا كلها حيث تظن أنه صار هدفا للقوى المتطرفة التي تجد فيه تهديدا لثوابتها، وكأنها تتعامل مع الموقف بحس أمني -ربما- أثاره الحس الأنثوي. إلا أن الغريب في الأمر أنها لم تعلق على موقف الشاب الألماني ذي الأصل التركي على الرغم أنه أكثر إثارة للحساسية الأمنية من الفتاة، كما أنه لم يثر الأجهزة الأمنية بشكل كبير على الرغم أنه قد أفضى بمكنوناته التي يحس بها تجاهه، وتجاه كتابه، وتكاد تكون صلته بالتهديدات الأمنية واضحة. ومع هذا فإن الشخصية يقابل هذا الحدث وكأنه حدث عادي لا يستحق الذكر، يقول ذلك في حديثه للفرقة الأمنية الموكلة بحراسته، والتي تتبع كل أمر غير معتاد في حياته اليومية، وهو يخبرهم عما قابله في ألمانيا، فلا يجد لديها عناية خاصة، أو تربطه بظواهر أخرى. وهنا نشعر بأن الرواية تستغرق الصفحات في أحاديث الحب والجوى بين هذا الكاتب الستيني، والفتاة الحسناء، ساعيا لاستعراض بعض المعلومات التفصيلية الدقيقة في عالم الموضة، أو في عالم الفن التشكيلي، ونمط الحياة المخملية التي يعيشونها بجوانبها المختلفة، مع الالتفات إلى الماضي الحزين الذي شكل كل واحد منهما، وألقى به في المصير الذي يعيشه في زمن الرواية التاريخية، وهو ما يجعل موقفهما من هذا الماضي غير واضح، فعلى الرغم أنهما قد مرا بهذا القدر من البؤس الشديد، إلا أن هذا البؤس كان السبب في الطريق الذي سارا فيه، والمآل الذي صارا إليه، فهو يؤكد في أكثر من موضع أن الصدفة وحدها هي التي جعلت منه كاتبا كبيرا، كما أنها تؤكد لولا أنها قابلت عارضة أزياء شهيرة وضعتها على الطريق ما كانت لتصل ما وصلت إليه، وتلك العارضة قد التقتها في النزل الاجتماعي الذي نزلته حين فرت من أبيها. وهنا تتداخل الصورة، والمشاعر حول الماضي كما تتداخل الصورة حول الحاضرة بين الرضا والغضب، وهو ما يزيد مشاعر الشخصيتين تعقيدا حيال واقعهما.

مشاركة :