حقوق الحيوان في العالم العربي تثير السخرية لدى المقرين والرافضين بقلم: حكيم مرزوقي

  • 1/17/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

حقوق الحيوان في العالم العربي تثير السخرية لدى المقرين والرافضين الكثير من العرب يعتبرون مسألة حقوق الحيوان نوعا من الترف الاجتماعي، وضربا من تقليد بدع الغرب وتمثل صرعاته بل ويقاربونها ويقارنونها بما لا يقارن أصلا، مثل زواج المثليين في الدول الأوروبية، أو المبالغة في حرية المرأة وغيرهما. ويتعلل هؤلاء بأن على الناس أن يديروا حياتهم وينقذوا أنفسهم من الفقر والقهر وأن لا يقلقوا من شأن الحيوانات، ويعتبر المستهترون بحقوق الحيوان، الناشطين في جماعة من المتطرّفين والمضلِّلين والمميّعين للقضايا الجوهرية في المجتمع. مشكلة العلاقة بين الإنسان والحيوان في العالم مرتبطة بالتوجهات العامة والثقافة العامة التي يتربى عليها المرء وهو طفل، لكن البلاد العربية شهدت ميراثا حافلا في هذا المجال، فلا يكاد يغيب الحيوان عن بيئة العربي وثقافته الأدبية والأخلاقية، وجملة قيمه الدينية والروحية، حتى أنه ارتبط بإرث تربوي وأدبي كبير.. فلماذا يوضع العرب في خانة الشعوب والثقافات التي لا تحترم الحيوان، بل تهينه وتسيء معاملته، وذلك في تناقض واضح مع ما يبدو في منظومة القيم الأخلاقية والدينية، فلا تكاد تسأل عربيا عن الرفق بالحيوان، إلاّ وملأ سمعك أحاديث وآيات وأحداثا وقصصا تعلي من قيمة الحيوان وتمجد سلوك المروءة في التعامل مع هذا الكائن الذي يرافقنا في حلنا وترحالنا. العربحكيم مرزوقي [نُشرفي2017/01/17، العدد: 10515، ص(12)] لا تسأل عربيا عن الرفق بالحيوان مشاهد ناصعة في العالم العربي المعاصر، ولا يمكن انكارها أو تجاهلها في ما يخص احترام الحيوان الذي بلغ أرقى مراتب الاحترام، مثل مربي أنفس وأنبل أنواع الخيول، وأندر وأجمل أصناف الطيور، لكن هؤلاء يظلون قلة وجدت لها الإمكانيات اللازمة لتحويل حبهم للحيوان إلى شغف. أما شبه الغالبية الباقية، فالإنسان العربي الذي تستوقفه في الريف وهو على دابته يشبعها ضربا ليحدثك عن ضرورة الرفق بالحيوان، لا يختلف عن ذاك الذي يركب سيارته (دابته المعدنية) وقد دهس بها للتو قطا أو كلبا في الطريق.. الإثنان يتحدثان عن الرفق بالحيوان، ويستنكران القسوة ضده بذات السوية والحماس. المفارقات كثيرة ومتنوعة حسب مصلحة كل طرف، وهو أمر شديد التعقيد وإن كان ظاهره يوحي بنوع من الطرافة، وفي هذا الإطار يقول السيد (هـ) كنت أضحك دائما عندما أرى الراعي يمنع الغنم من الرعي قريبا من الشارع العام فالأغنام تزداد تعلقا براعيها الذي يحرص عليها من الموت تحت عجلات العربات، أما الراعي فيقول في حقيقة نفسه “لو دهست خروفا فلن أتمكن من ذبحه بيدي، ويذهب طعاما لقطط الشارع”. المنظمات العالمية التي تدين انتهاكات عرب كثيرين لحقوق الحيوان، ليست حاقدة وعنصرية ومتقصدة للعرب دون غيرهم بالضرورة، كما أن العرب ليسوا أبرياء براءة الذئب من دم ابن يعقوب. الحيوانات تمارس “حيوانيتها” في تلبية رغباتها وحاجياتها، وممارسة غرائزها دون أن تسأل الإنسان أو تطلب منه تأشيرة لفعل ذلك، فهل يحق للإنسان، في المقابل، أن يمارس “إنسانيته” في تدجين الحيوان وركوبه وتسخيره لشتى مصالحه ورغباته وغرائزه؟ يوضح بعض رجال الدين أنّ الدين يوفر قاعدة قوية لتعزيز حقوق الحيوان. يضع الدين الإسلامي، بحسب قولهم، توجيهات دقيقة جدّا بخصوص الرفق بالحيوان، بدءا من الذبح الإنساني للحيوانات لحاجيات الغذاء وصولا إلى حظر قتل الحيوانات لأغراض رياضية. ومع ذلك، فإنّ وجهة نظر الفرق الدينية السائدة هي التعامل مع الحيوانات كمخلوقات خُلقت من أجل خدمة الإنسان، بالإضافة إلى النظر إلى الحيوانات باعتبارها نجسة، ممّا يساء تفسيره في الكثير من الأحيان كترخيص بممارسة القسوة. العرب الذين يرفضون حقوق الحيوان باعتبارها “ليست من الأولويات” بالمقارنة مع البشر الذين يعانون من الفقر، القهر والصراعات، يجب أن نتذكر بأنّ الحيوانات تتأثر هي أيضا من هذه المعاناة، إذ قام جنود النظام السوري بتنفيذ مجزرة ضدّ مجموعة من الحمير تابعة للمعارضة المسلحة. المفارقات والمغالطات كثيرة في عالم الرفق بالحيوان الذي كثيرا ما استخدم كذريعة، إذ لم يحتمل النمر “لذيذ”، الوحيد في حديقة حيوانات خان يونس، بؤس الحياة في قطاع غزة، فنقل مع مجموعة من 15 حيوانا، بينها قرود وسلحفاتان وبجعة، إلى معبر إيريز بين قطاع غزة وإسرائيل، تمهيدا لتوزيعها على محميات في كل من إسرائيل والأردن وجنوب أفريقيا. وتولت منظمة “فور بوز″ الدولية للرفق بالحيوان التنسيق مع السلطات الإسرائيلية والفلسطينية من أجل عملية إخراج الحيوانات من القطاع. من وجهة نظر الكاتبة والناشطة السياسية السويدية كايسا إيكمان، فإن عملية إخلاء حديقة من الحيوانات لأنها لم تعد صالحة لحياتها ولتأمين ظروف عيش كريمة لها، تعطي انطباعا بأن الحيوانات أصبحت أهم من الإنسان، وتساءلت “إذا كان الأمر كذلك بالنسبة إلى الحيوانات فكيف سيكون العيش بالنسبة إلى الناس الذين يعيشون أوضاعا مأساوية في غزة؟“. وانتقدت كايسا إيكمان تحرك مؤسسات عالمية لإجلاء حديقة الحيوانات الوحيدة في قطاع غزة بسبب صعوبات الحياة تحت الحصار، منظمة “فور بوز” التي تولت عملية إخلاء الحيوانات، وقالت إنه كان من الأولى والأجدر للمنظمة الانحياز إلى كرامة الإنسان في غزة، واستغلال عملية نقل الحيوانات لإبراز معاناة الإنسان في القطاع جراء الحصار. الرفق بالحيوان رسالة سلام إلى كل ساكني الكوكب مبالغات يستكثرها الحيوان على نفسه المتحمسون لحقوق الحيوان هم جماعة "حيوانيون" أكثر من اللازم، فهل جعلهم الحيوان وكلاء حصريين أمام المحاكم، وناطقين رسميين باسمه، ومدافعين عن حقوقه؟ لم نشهد دجاجة تطالب باستعادة بيضها ولا بقرة تنادي باسترجاع حليبها من رضاعة طفل، أو دبا يصادر فروة شقيقه من معطف سيدة. هذا ما قاله أحد الكتاب الساخرين، طالبا عدم ذكر اسمه وهو يجلس إلى طاولة المشويات في مزرعته الصغيرة، غير آبه بالدجاج والخرفان والأرانب التي ترمقه، وأضاف أن غالبية الرافعين لشعارات حقوق الحيوانات، يبالغون في كل شيء، ويشاكسون الطبيعة التي تفعل فعلها دون تحيز لأي كائن من الكائنات الثلاثة التي تعمّر هذا الكوكب، فكل خروف “يعلم” أن وراء كل دلال وعلف جيد، موقد شواء، كما أن لكل شجرة غصنا قد يصبح يوما ما ذراع فأس تمتد إليها لقطعها. غالبية المبررين لـ”ممارسة حقوقهم” من عالم الحيوان يرون الأمر طبيعيا، لكنهم يركزون على مسألة الرفق والمعاملة اللطيفة بتجنب القسوة، كما أنهم ينادون بـ“الأساليب الرحيمة” في الذبح، واحترام مواسم الولادة والتفريخ والتكاثر في الفترة المسموح فيها بالصيد. الحملات التطهيرية التي تقوم بها البلديات ضد الكلاب والقطط السائبة، والتي ينتقدها مناصرو حقوق الحيوان، يرى فيها الكثير من الناس أمرا طبيعيا ويجب أن يحصل حفاظا على الصحة العامة واتقاء من الأمراض والأوبئة، كما أن توفير التلقيحات وتحسين البيئة مهمان للحماية من الكلاب الشاردة وغيرها. ولا يمكن في هذا الصدد إنكار تحسن وضع حقوق الحيوان في بلاد عربية كثيرة، إذ ارتفع عدد عيادات الحيوانات ومراكز الرفق بالحيوان في مدن مثل القاهرة، بيروت، عمّان، تونس والرباط، بشكل ملحوظ في العقد الأخير. وتقوم منظّمات حقوق الحيوان في عدة دول عربيّة بعمل يستحقّ الثناء لتوفير مأوى للحيوانات وتعديل القوانين والتصورات العامة الضارّة رغم محدودية الإمكانيات. ومنذ سنوات، اعتمدت السعودية مبادئ توجيهية للرفق بالحيوانات من أجل اتخاذ الإجراءات الصارمة ضدّ من يسيء لها، وتخصّص الحكومات الكثير من الجهود من أجل مكافحة تجارة الحيوانات غير المشروعة وتشارك في مؤتمرات دولية تتناول موضوع الرفق بالحيوان. الحملات التي تقوم بها البلديات ضد الكلاب الضالة، والتي ينتقدها مناصرو حقوق الحيوان، أمر طبيعي ويجب أن يحصل حفاظا على الصحة العامة واتقاء من الأمراض في الشارقة، “تحرص الهيئة على الاحتفال باليوم العالمي للحيوان، وجاء حيث تم تنظيم فعاليات الرفق بالحيوان، من أجل المساهمة في نشر مفهوم ثقافة الرفق بالحيوان وحمايته والعناية به، وتنمية الوعي حول علاقته بالإنسان وأهميته ودوره الفعال في التنمية المستدامة. السعودية أقرت نظام الرفق بالحيوان لدول مجلس التعاون الخليجي وذلك في مبادرة استحسنتها كل المنظمات الحقوقية، إذ يعاقب منتهكو حقوق الحيوان في السعودية بغرامات مالية تصل إلى 200 ألف ريال في حال تكرار المخالفة والتشهير في الصحف، وذلك بعد إقرار المملكة نظام “الرفق بالحيوان” لدول مجلس التعاون الخليجي. وجاء في أحكام النظام أنه يجب على من يريد الاحتفاظ بالحيوانات الالتزام بتوفير المنشآت المناسبة، والظروف المعيشية الضرورية لإيوائها، وتوفير العدد الكافي من العاملين المؤهلين ممن لديهم القدرة المناسبة والمعرفة والكفاية المهنية بالأمور المتعلقة بالرفق بالحيوان، ومعاينة الحيوانات وتفقد أحوالها مرة واحدة على الأقل في اليوم. وتحظى الماشية والحيوانات المستخدمة في العمل الزراعي بأرياف، بما في ذلك الجمال والأبقار والبغال، بتعامل أكثر عدلا، وإنْ كان لأسباب عملية نفعية تخص الإنسان وحده، لكن لا ينبغي أن ننسى بأنها تخدم البيئة و“تعيل” الفئات الفقيرة، فمن يطلب من هؤلاء المزارعين والفلاحين المستضعفين أن يكفوا عن ذلك، عليه أن يتدبر هو عيشهم وقوت يومهم، ذلك أن المبالغات في مسألة حماية حقوق الإنسان، عادة ما تأتي من الفئات الميسورة والمرفهة، ولا يعرفون من نماذج الحيوانات غير القطط والكلاب ذات الأصناف النادرة في منازلهم الفخمة، وليس كلاب الحراسة ورعي الأغنام في القرى الفقيرة. اضطهاد الحيوان ثقافة سائدة في العالم العربي تجاوزات تسيء لأصحاب ثقافة قيم الرفق الحكايات و"الطرائف" الشعبية، تتلذذ في سادية واضحة، برواية الطرائف التي تسخر من فكرة الرفق بالحيوان والدفاع عن حقوقه، فقد قيل مجازا وعلى سبيل الطرافة، بأن خروفا قد وقع جزّه للاستفادة من صوفه، قبيل ذبحه وشيّه، تألم الخروف من البرد، فقال له الجزار “لا تخف عزيزي الخروف، سأشعل لك النار”. أما الخروف الذي تربى قبل أشهر مع أطفال أهل الدار حتى ألفهم وألفوه، فقد قال للأطفال صباح يوم العيد غاضبا ومحتجا “لماذا تأخر عنا الجزار إلى هذا الوقت”. يرى الكثيرون في العالم العربي الحيوانات ممتلكات وليست مخلوقات ذات وعي بما يجري حولها (عكس الطرفتين السابقتين)، وهو اعتقاد يصنفها كـ”عبيد” ويسهّل القسوة تجاهها، فغالبية الناس تعتقد أن الحيوان المدجن هو أليف وصديق إلى “أن يثبت عكس ذلك” فيصير عدوا ينبغي قتله.. وهذا ما يفعله الكثيرون مع الكلاب والخيول وغيرها. وفي هذا الإطار يشير الكاتب السعودي فهد سليمان، بنفس لا يخلو من السخرية، إلى أنه قد تم توظيف الحيوان كما يبدو لإثارة الذعر في صفوف المتظاهرين في ميدان التحرير بالقاهرة أثناء ثورة 25 يونيو، باستغلال مفارقة فزع الحيوانات من الحشود، وفزع الحشود من هياج الحيوانات .. فيما يُمكن تسميته بتوازن الذعر .. لذلك خرجت الحيوانات بأقل قدر من الخسائر .. أما في المشهد السوري فالأمر مختلف نسبيا .. فبعدما داست الدبابات وناقلات الجند السيارات والدراجات النارية، وأضرمت فيها النيران لتمنع المتظاهرين من التنقل .. التفتت إلى الحمير على اعتبار أنها وسيلة النقل الاحتياطية، التي يمكن أن توفر البديل في حال الضرورة، فقررت السلطة إعدامها بذريعة مشاركتها في الثورة ضد النظام في الأرياف والمناطق الشعبية المدنية. تؤثر هذه النظرة الاستعلائية ضد عالم الحيوان في كل المجالات وعلى جميع المستويات، وتبدأ من التربية الأولى، إذ يتربى الأطفال على تعذيب القطط أو يستخدمونها كألعاب في الشوارع، كما أن السلطات التي تطلق النار وتطارد الكلاب الضالة بالرصاص الحي حتى الموت، هي ظواهر شائعة في العديد من المدن العربية، بل وينادي بها المواطنون ويطالبون السلطات البلدية بتطبيقها… فما سر هذه العدائية المتأصلة لدى الغالبية العربية ضد الحيوان. العصابات الإرهابية والجماعات الإجرامية المسلحة تمضي في عمليات كثيرة إلى استخدام الحيوان كضحية في التفجير والتفخيخ واختبارات فتح المسالك المرورية جانب آخر لا يقل عدائية في التعامل مع الحيوان، وهو الاحتفاظ بالحيوانات البرّية الغريبة على عامة الناس، وتربيتها كحيوانات أليفة، هي ظاهرة شائعة في عدّة دول عربية، وتأتي أغلبها بقصد البيع أو حتى استثمارها في العروض الفرجوية الشعبية. ولا بد من التذكير بأن إحصائيات تفيد بأن التجارة بالحيوانات تأتي في المرتبة الثالثة بالمقارنة مع التجارة بالأسلحة والمخدّرات في الشرق الأوسط، من حيث الكمية والتهريب. ويمكن أن نجد في أسواق مصر مثلا في بعض الأحيان قرودا، تماسيح، صقورا وحيوانات أخرى مهدّدة بالانقراض، وكل ذلك بسبب التشريعات الهشّة التي لا تقضي على هذه الظاهرة وتشرع التنكيل بالحيوان. تؤكد جميع منظمات الدفاع عن حقوق الحيوان، أنّ العلاقة بين الإنسان والحيوان تؤثر في قضايا كثيرة وجوهرية، وتخدم مصلحة الإنسان مثل الاقتصاد، التنمية، جودة البيئة وحتى العنف البشري، وهي مشكلة قائمة في معظم الدول العربيّة، وبإمكاننا المساهمة في حلها من هذا الجانب. الذين يدعون التدين والالتزام بالقيم الدينية الحميدة لا يلتفتون إلى جملة الأقوال الداعية إلى الرفق بالحيوان، بل تمضي العصابات الإرهابية في عمليات كثيرة إلى استخدام الحيوان في التفجير والتفخيخ واختبارات فتح المسالك وغيرها، والقائمة طويلة عريضة في عدد العمليات التي استخدم فيها الحيوان لدى الجماعات الإرهابية. لا بد من الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية في ما يخص التنكيل بالحيوان وقتله، وهي تلك الخرافات والاعتقادات البالية التي تؤمن بها جماعات سلفية وفرق تكفيرية، وتتمثل في بدعة قتل بعض الزواحف والقوارض من الحيوان طمعا في دخول الجنة، هذا ناهيك عن الفتك بفصائل نادرة من الطيور والغزلان في الصحراء العربية، ظنا من مرتكبي هذه الجرائم البيئية بأنهم يسعون خلف “وصفات طبية ساحرة” تقوي من فحولتهم الجنسية. :: اقرأ أيضاً تخطي النهج الديمقراطي في الحرب على الإرهاب يهدد حقوق الإنسان المحور الجزائري السعودي.. دبلوماسية نشطة تبدد التباينات السياسية أين تقف الولايات المتحدة في التصورات الجيوسياسة الجديدة للنفط؟ اليمينيون صاروا معتدلين في أوروبا

مشاركة :