أجمل ما في الحرب بقلم: حكيم مرزوقي

  • 11/27/2016
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

يحيا السلام وإن مات واغتيل في سبيله الأبطال، ونجا فيه القتلة والأنذال من المحاسبة، تحيا قذائف الشعر وشظايا القصيدة الواقفة على أطلال السلام المستحيل. العربحكيم مرزوقي [نُشرفي2016/11/27، العدد: 10468، ص(24)] كنّاها العرب على لسان زهير بن أبي سلمى بـ”أم قشعم”، وذلك لهول ضحاياها، وخسارة كل أطرافها. لا رابح في الحرب إلاّ الغربان الناعقة المحلّقة فوق الجثث، أجمل ما في الحرب هو أن تتوقّف، وهذا ما أدركه هرم بن سنان المحنّك العجوز، الذي امتلك شجاعة نادرة في إيقاف نزيف الحرب التي كانت تدور رحاها بين قبيلتي “عبس” و”ذبيان”، وذلك بدفع الفدية للطرفين المتقاتلين، فكفكف الدموع، وبلسم الجراح وأوقف الضغائن والأحقاد. منحه زهير بن أبي سلمى في معلقته -مجازاـ “جائزة للسلام”، وذلك قبل مئات السنين من ابتداعها على يد من اخترع البارود ولم يعرف كيف يكفّر عن ذنبه، إلاّ بتخصيص ميراثه لحرّاس السلام المستحيل. تقول الرواية إنّه كلّما مرّ صاحب الثمانين حولا ـوقد بلغهاـ بمجلس فيه هرم بن سنان قال “عمتم مساء ما عدا هرم.. وهو أكرمكم”، وذلك لأنّ الأخير كان يأمر له بمئة ناقة كلّما رمى عليه زهير السلام. هكذا يلتقي الكرم بالشعر والحكمة في قصيدة تكتب بماء الذهب، وتعلّق على باب الكعبة. وبالمناسبة، لماذا لا يخترع العرب جائزة “زهير” أو “هرم” للسلام، ويمنحونها كل عام لمن يستحقّها دون تفرقة أو تمييز؟ ليس بالضرورة أن تكون قيمتها مئة ناقة، لنسمّها “الناقة الذهبيّة” على سبيل المثال، ولكن مهلا، ألم تكن الناقة “البسوس” هي سبب تلك الحرب المزمنة. المعضلة تكمن في ابتداع جائزة دون فائزين، واستحالة توافق لجان التحكيم وسط هذا التشرذم الفظيع في عصر “داعش والغبراء”. ومع ذلك، صوت الحكمة يسمع، ويكرّم ولو بعد مئات السنين، ابتداء من “يورودوس”، العدّاء اليوناني الذي دعا لإيقاف الحرب بين “إسبارطة” و”أثينا” في سفوح آلهة الأولمب، مرورا بمحمّد علي كلاي الذي رفض المشاركة في حرب فيتنام وشهّر قبضته في وجه هذا العالم الظالم، وصولا إلى أساطير وأساطيل أخرى لم تنقرض بعد. العرب قوم بحّت أصواتهم تنديدا بالحرب وطلبا للسلام، حتى كادوا يقبّلون أيادي صانعي الحرب في سبيل إحلال السلام. لم يكن زهير يقبّل يد صانع السلام، لكنه لم يكن قادرا على إدارة ظهره لحرب خلدت “كليب” و”جساس” في إشعالها، كما خلدت اسم “هرم” في إطفائها. السلام لروحك يا ابن أبي سلمى، أيها الذي لم يمجّد صنما سياسيا أو دينيا في حياته الطويلة. السلام عليك يا هرم، يا من أوقف تلك الحرب المشينة، وكان سببا في تغيير جسد القصيدة العربيّة التي كانت تتباهى بمدح العنف والقتل والوقوف على أطلال الرماد، ثمّ اتجهت نحو مدح السلام وتمجيده. يحيا السلام وإن مات واغتيل في سبيله الأبطال، ونجا فيه القتلة والأنذال من المحاسبة، تحيا قذائف الشعر وشظايا القصيدة الواقفة على أطلال السلام المستحيل. حكيم مرزوقي :: مقالات أخرى لـ حكيم مرزوقي أجمل ما في الحرب , 2016/11/27 مهلا.. ما معنى سلفية, 2016/11/25 آن لهذا الفارس أن يركب , 2016/11/20 العرب وفن الدراما.. ما نصيب الواحد من الآخر, 2016/11/15 غابة الديمقراطية , 2016/11/13 أرشيف الكاتب

مشاركة :