الرواية بين الرفض والتأييد ما إن تمسك برواية وتشرع في قراءتها أمام ملأ ، إلا وتواجهك تساؤلات مختلفة ومتفاوتة. ما لجدوى من قراءة الرواية ؟! ماذا أضافت لك هذه الرواية ؟ وسؤال يجرّ سؤال !! صدامات كثيرة يواجهها قراء الرواية في الوطن العربي ، ألجأت البعض إلى الانزواء بعيدا ًحال القراءة ، والبعض الآخر لم يلقي بالاً للصوت المختلف ، وثمة نوع أخذ يحاور وينافح ليدافع عن الرواية. أما عن فن الرواية ذاته ، فهو فن أدبي نثري لا نستطيع إلغاؤه من كتب الأدب ، جمع بين اللغة والفن والفلسفة والتاريخ. يقول عبد الغفار مكاوي: قد يكون غير موجود فيلسوف عربي، لكن يوجد روائيين يحملون رؤية فلسفية ،فرواية مدن الملح مثلا التي كتبها عبد الرحمن منيف ،وذاع صيتها هل انتشارها دليل على تسطيح الثقافة ؟ أم أن هذا النوع الفخم من الروايات ،كأعمال رضوى عاشور ، وأمين معلوف هي التي تبحر مع القارئ نحو أفق بعيد ؟! مهما رفضنا الرواية العربية أو الغربية المترجمة ،لا نستطيع أن نغفل دورها الكبير في سيلان الحبر، وفيضان الحرف ،ودعم الملكة البيانية ، وهذا بحدّ ذاته يدفعنا لأن نقرأ أكثر في الرواية وغيرها والكتب المعرفية والفكرية تصنع عقل القارئ ،وتغذيه في نظري ، أما الروايات((( الجيدة )) فتزكي هذه المعرفة. هل الرواية تعطي ثقافة؟! الروايات والقصص تعطي ثقافة من نوع آخر، فهي تطور مصطلحاتك ، وتوسع دائرة الفهم ،وتقوي ملكة الكتابة والنقد ،كذلك تعطيك القدرة على الخيال بشكل أوسع من خلال الدخول في عالمها والتعايش معه، وترسم لك حياة أمم، وثقافة مجتمعات، وبلدان كنت تجهلها ، فعندما تقرأ رواية عن المجتمع الجزائري، أو الهندي ،أو التركي، أو الأوربيالخ ، حتما ستنطبع في ذاكرتك صورة عن تلك المجتمعات وما يحدث فيها . ثمة دراسة تقول: أن قراء الروايات يتمتعون بقدرة كبيرة على التحليل ؛لأنهم تعودوا على قراءة التفاصيل مهما كان حجمها . وبما أن الساحة المحلية الآن غنية بهذا الفن الأدبي ، فالعبرة في هذا ((بالانتقاء الجيد )) لا بالهجوم الممارس ضد الروايات بشكل عام وشامل ، والحكم عليها بالسلب دوماً دون أدنى إنصاف ، فالرواية الجيدة لا بدّ وأن تضيف للقارئ شيئا جديدا، قد يدركه الآن ،أو بعد مرور زمن ، وإني لأستغرب من نظرة البعض للقصة بنظرة إيجابية معتدلة، في حين أن نظرتهم للرواية تكاد تكون معتمة ، مع أن القصة فرع من فروع الرواية ، والرواية تطور يلحق بالقصة ، والاختلافات بينهما تكاد تكون يسيرة. من الروائيين من شوّه الرواية في صورتها ، وجعلها مدعاة للفساد والرذيلة ، وسخر قلمه لهدم القيم والمبادئ الإسلامية ، ونقل صورة سيئة عن المجتمع الإسلامي ، ومنهم من تأثر بالثقافة الغربية والانحطاط الأخلاقي الذي يلحقها ، وصور المجتمع بتلك الصورة السلبية التي قرأها ،وتلك تستدعي النقد والمواجهة . فالرواية صوت متعدد ، وبؤرة اختلاف ، وقضيتها تكمن في حسن ( الانتقاء)؛ لأن الساحة الأدبية باتت الآن مليئة بالروايات بمختلف أنواعها الجيدة والرديئة( التاريخية – الرمزية _ الفكرية _ البوليسيةالخ). وعلى القارئ أن يحكم عقله فيما يقرأ ، ويمحص في قراءته، فيميز وينقد، وإذا نقد ينقد نقدا بناء منصفًا ،وصادقًا ،لا يغفل فيه الجوانب الفنية واللفظية في الرواية ، ويفند رأيه دون تعصب أو إجحاف بحق الكاتب سواء كان غربيا أو مسلما. يتفاوت أيضًا قراء الروايات في استقبال النص الروائي ، فتجد أحدهم يحفل فقط بالقصة، وآخر يبحث في ما وراء المعنى الظاهر. فالقراءة هي معول نحت العقل , والعقل ينحته اثنان , المعرفة والخبرة , والمعرفة إحدى أكبر وسائلها القراءة , والرواية كنوع من أنواع القراءة ،لها ميزة عن باقي الألوان فهي لا تعطينا المعرفة فقط ،ولكن أيضا توفر لنا تجربة يمكن الاستفادة منها , فالرواية هي مرآة للواقع . سابقا كان يقال: الشعر ديوان العرب وفي الحاضر بإمكاننا أن نقول: الرواية ديوان العرب. سعدى الأنصاري
مشاركة :