شكك الخبير الاقتصادي وعضو مجلس الشورى السابق الدكتور عبدالعزيز الداغستانى، في مصداقية إحصاءات وزارة العمل الخاصة بتوطين الوظائف، وطالب بضرورة التعامل مع البطالة كمشكلة وطنية ذات أبعاد كثيرة وبضرورة التركيز على تنويع مصادر الدخل. وبين في حديث لـ»المدينة» أن ما تقوم به وزارة العمل لمحاربة البطالة مجرد رتوش، لافتا إلى أننا نواجه بطالة جديدة 5 نجوم، وهي بطالة الشباب السعودي الذي يعود إلى الوطن من برنامج الملك عبدالله للابتعاث وربط الداغستاني بين تعثر المشروعات الحكومية وتزايد البطالة وارتفاع نسبة التضخم وبين سوء أداء بعض الأجهزة الحكومية المختصة وتساءل عن مصير الأموال الضخمة، التي أودعها خادم الملك عبدالله لمصالحة وزارة الإسكان. كما تطرق الداغستانى إلى العديد من الموضوعات الحيوية، التي تهم المواطنين ومن بينها إعادة هيكلة الاقتصاد بشكل يؤدي لتغيير حقيقي فإلى نص الحديث: ** وزير العمل يؤكد أن البطالة انخفضت والشورى يقول لا توجد بطالة وهناك2 مليون سعودي وسعودية مسجلين في حافز كيف تفسرون ذلك؟ * نحن لدينا مشكلة في الإحصاءات، وفي الواقع لا توجد لدينا إحصاءات دقيقة وكل جهة حكومية تصدر أرقامًا بهدف تحسين سمعة أدائها، وموضوع نسبة البطالة دليل على ذلك.. مشكلة البطالة أننا حصرنا علاجها في وزارة العمل وهي عمليًا غير قادرة على ذلك ما يحصل هو رتوش لمعالجة قضية وطنية لم تعد تبعاتها اقتصادية فقط، بل اجتماعية وأمنية، تتطلب تضامن كل الأجهزة الحكومية لمعالجتها.. ولا يمكن معالجة البطالة بتوفير وظائف متدنية. هذه الوظائف لا تخلق قيمة مضافة للاقتصاد.. هناك وسائل بيد الحكومة لتفعيل التوظيف.. ومنها مثلًا ربط العقود والقروض الحكومية بتوظيف السعوديين، وهذا سيخلق وظائف جدية، معتبرة خاصة في القطاع الصناعي، الذي يعتمد حاليًا كثيرًا على العمالة الوافدة، وهذا لا يمكن قبوله إطلاقًا. ماذا استفاد الاقتصاد السعودي من حصر وظائف السعوديين في المهن غير الجاذبة وذات مردود مادي ضعيف؟ كل هذه الإجراءات لم تستند إلى دراسة علمية لمتطلبات السوق، والمواءمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل.. وكثير من الجهات الحكومية تطلق تصريحات بأن سعودة قطاع، ما سيوفر وظائف بالملايين للسعوديين. وهذا غير صحيح.. القطاع الذي يمكن أن يستوعب السعوديين هو قطاع التجزئة الذي يسيطر عليه الوافدون بشكل لم يعد مقبولًا.. وهو قطاع يمكن أن يستوعب كل العمالة السعودية الجادة في الحصول على عمل، بل قد يكون مناسبًا للأعمال الصغيرة والمتوسطة، مما يخلق فرصًا حقيقية للشباب السعودي.. والآن نحن نواجه بطالة جديدة، سبق وأن كتبت عنها وأسميتها بطالة 5 نجوم، وهي بطالة الشباب السعودي الذي يعود إلى الوطن من برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي.. الجهات الحكومية المعنية بملف توظيف السعوديين عليها أن تخرج من نمط ونهج الحلول المؤقتة إلى إقرار برامج عملية تتعامل مع السوق بشكل موضوعي ووفق خطة واضحة. ** المواطن يستغرب الفوائض الضخمة في الميزانية الظروف الاقتصادية الإيجابية إلا أننا نعاني من البطالة وتضخم الأسعار.. ما تفسيركم لذلك؟ * كل ما تحدثت عنه من مشكلات، هي مشكلات حقيقية وتراكمية، تراكمت لسنوات طويلة.. السبب أن هذه المشكلات ترتبط بقصور وسوء أداء الأجهزة المعنية في معالجة هذه المشكلات، وغياب الدور الفاعل للأجهزة الحكومية المختصة بالأداء الكلي للاقتصاد السعودي مثل وزارة الاقتصاد والتخطيط والمجلس الاقتصادي الأعلى لدينا على الورق حلول مثالية لكنها للأسف لا تتجاوز هذا الورق.. هناك خلل حقيقي في أداء معظم الجهات الحكومية المسؤولة عن ملفات الاقتصاد، مع ضعف الجهات الرقابية التي يفترض أن تقوَم أداءها، بالإضافة إلى تراجع دور مجلس الشورى، الذي يطلع على تقارير أداء هذه الأجهزة الحكومية ولا تنتهي توصياته بقرارات ملزمة.. ولهذا تراكمت المشكلات وتفاقمت رغم ما يتوفر في هذا الاقتصاد من إمكانات مالية وبشرية وموارد اقتصادية يمكنها أن تنعكس على رفاة المجتمع وحياة الناس. ** تعثر المشروعات الحكومية باستمرار يضع الكثير من علامات الاستفهام حول الدور، التي تلعبه الجهات المعنية بالتخطيط في الوزارات دورها في وضع الإستراتيجيات التنموية؟ *نظريا تقع المسؤولية على وزارة الاقتصاد والتخطيط.. لكني أعتقد أن تجربة هذا النهج تؤكد لنا أنها غير مجدية. والدليل أن هدف مثل تنويع مصادر الدخل القومي هو هدف من أهداف خطط التنمية منذ خطة التنمية الأولى، التي صدرت عام 1390هـ والآن نحن في الخطة التاسعة ولم يتحقق هذا الهدف إعادة هيكلة ما زال اعتمادنا على البترول كبيرًا ولم يتم تنويع مصادر الدخل القومي.. وما زال البترول يشكل المورد المالي الأساسي لميزانية الحكومة. ووضعت إستراتيجية لأن يشكل القطاع الصناعي 20% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن في الواقع لا توجد آلية عملية لتحقيق هذا الهدف.. والقطاع الخاص، الذي يفترض أن يكون الموظف الأول في الاقتصاد ما زال يعتمد على الإنفاق الحكومي ولم يتمكن من الخروج من هذا المأزق.. نحن نحتاج إلى إعادة هيكلة الاقتصاد بشكل يؤدي إلى إحداث تغيير حقيقي.. لدينا كل المقومات لكننا نحتاج إلى إدارة جيدة لهذا الاقتصاد يديرها كادر وطني متخصص بعيدًا عن البيروقراطية. ** منذ عقود والحديث لا يتوقف عن أهمية تنوع الإنتاج في الاقتصاد السعودي، وعدم الاعتماد الكلي على النفط فإلى أي مدى تم تحقيق ذلك؟ *كما ذكرت لك سابقًا.. هذا الهدف لم يتحقق.. ونحن نحتاج إلى إعادة تقييم تخطيطنا القومي للوصول إلى هذا الهدف أعتقد أننا يجب أن ننظر إلى هدف تنويع مصادر الدخل كهدف لتنويع الصادرات.. وهذا يعني أن علينا أن نبني قطاعات صناعية قادرة على التصدير.. وتجارب كثير من الدول ناجحة في هذا الجانب ويمكن دراستها والاستفادة منها.. وخلق هذه الفلسفة في الاقتصاد تسهم في تحقيق هدف تنويع مصادر الدخل والتنويع في الاقتصاد.. وهذا التنويع ضمان لمستقبل أكثر استقرارًا، وضمان لخلق فرص توظيف، وضمان لتوطين رؤوس الأموال الوطنية، وضمان لجذب استثمارات جيدة تجلب التقنية الحديثة. ** ما أبرز التحديات الاقتصادية المستقبلية للاقتصاد السعودي؟وهل تعتقد أن الاقتصاد قوي لصمود أمام تأثير العواصف السياسية في المنطقة؟ *العواصف السياسية في المنطقة أضرَت كثيرًا باقتصاداتها.. ولننظر على سبيل المثال الاقتصاد التونسي، الذي كان يحقق نموًا قياسيًا.. والاقتصاد المصري حاليًا يعاني من أزمة حقيقية يحتاج إلى سنوات كثيرة لتجاوزها.. نحن نحمد الله عز وجل على ما ننعم به من استقرار.. وعلينا جميعًا أن نحافظ على هذا الاستقرار.. ما يحصل حولنا يؤكد أن العواصف السياسية يمكنها أن تهدم أي اقتصاد.. إذا غاب الاستقرار والأمن وانتشرت الفوضى، لا يمكن أن نتحدث عن اقتصاد سليم.. الاقتصاد ينتعش في بيئة سياسية مستقرة.. ولذلك يجب علينا أن نستفيد مما يحصل في محيطنا العربي ونكون أكثر يقظة وعقلانية ونحافظ على مكتسبات هذا الوطن ونسهم في استقراره، ولنفكر في الأجيال القادمة التي ستسألنا وتحاسبنا على أي خطأ أو مجازفة غير مسؤولة. ** ماريك في مشروع وزارة الإسكان وبرامج الدعم السكنى التي تقدمها؟ وهل تعتقد أنها ستسهم في حل أزمة السكن؟ *موضوع الإسكان من الموضوعات ذات الجدل في المجتمع.. أولًا يجب أن نعرف حقيقة الأرقام التي يتم تداولها حول نسبة تملك السعوديين للسكن.. بعضها يقول إن 30% فقط من السعوديين يمتلكون سكنًا.. وهذه مشكلة حقيقية، اقتصاديا واجتماعيا وأمنيًا، لو كانت صحيحة.. الآن المواطن لا ينظر إلى أي مشروع تطرحه وزارة الإسكان إلا من زاوية هل يمكنه أن يحصل على سكن ومتى؟ هذا هو المهم.. وسجل وزارة الإسكان، رغم أنها وزارة حديثة، إلًا أنه يضع أكثر من علامة استفهام.. أين نتائج المبالغ الكبيرة التي رصدها الملك عبدالله لهذا القطاع؟ هذا هو المهم. والسكن مسألة مهمة للمواطن الذي يعيش تحت وطأة انخفاض الدخل المتاح، فالإيجارات تستهلك معظم هذا الدخل. ولذلك، فإننا نطمح أن تتخذ وزارة الإسكان إجراءات عاجلة لتنفيذ قراراتها.. أيًا كانت هذه القرارات.. ما يهم المواطن في النهاية هو الحصول على سكن. ** كيف ترى مقدرة وفاعلية هيئة مكافحة الفساد؟ وهل الأجهزة الحكومية المعنية بمكافحة الفساد قادرة على التصدي للتجاوزات المالية والإدارية؟ *ملف الفساد من الملفات الشائكة في الاقتصاد السعودي.. ولا أعتقد أن «نزاهة» قد تعاملت مع هذا الملف، كما ينبغي.. والدليل ما نسمعه من ملاحظات مجلس الشورى، على سبيل المثال، حول التجاوزات المالية والمشروعات المتعثرة في معظم الأجهزة الحكومية.. ملف الفساد يحتاج إلى حزم وإجراءات عاجلة تستطيع أن تكسر طوق البيروقراطية الحكومية. ** كيف ترون انعكاس دخول الخطوط القطرية وطيران الخليج في مجال الرحلات الداخلية في المملكة؟ *الخطوط الجوية العربية السعودية تحتاج إلى إعادة هيكلة إدارية شاملة.. من المؤسف أن نجد خطوطًا جوية في المنطقة، دول الخليج العربي على سبيل المثال، قد استطاعت أن تتقدم على خطوطنا التي سبقتها.. دخول خطوط جديدة في فضاء الرحلات الداخلية سيكون إيجابيًا ويمثل تحديًا للخطوط السعودية، وعليها أن تكون قادرة على مواجهة هذا التحدي.. وهي في الواقع تمتلك أدوات المنافسة، لكن يبدو أن المشكلة في قدرتها على استثمار هذه الأدوات، وهذا يعني أنها مشكلة إدارة وليست إمكانات.
مشاركة :