الهاجس الإيراني نابع من التنبه الرسمي إلى حقائق اجتماعية خطيرة، منها ارتفاع سن الزواج (لدى الجنسين) وانخفاض الزيجات والزيادة الحادة في معدلات الطلاق وانخفاض الرغبة في الزواج في السنوات العشر الأخيرة. التقارير ومنها إحصائيات رسمية، تكشف أن نحو ثلث الزيجات في طهران تنتهي بالطلاق، وتؤكد انخفاض معدل الولادة للمرأة الواحدة من 7 حالات ولادة خلال الثمانينات من القرن الماضي، إلى 1.8 حالة ولادة للمرأة في عام 2014، وهي نسبة تقل حتى عن معدلات الولادة للمرأة البريطانية التي تصل إلى 1.9 حالة ولادة للمرأة، كلها أدلة توفر حقائق اجتماعية تتناقض مع الحملة الرسمية الإيرانية. تراجع معدلات الإنجاب في إيران نابع أساسا من الوضع الاقتصادي الذي تردى في العشرية الأخيرة في إيران، وأيضا من الوضع السياسي الخانق الذي جعل الآلاف من الأزواج يترددون قبل إنجاب طفل في واقع محكوم بالأزمة الاقتصادية واستشراء الفساد وسوء الإدارة وهيمنة رجال الدين. حقائق اجتماعية لم تبدد مخاوفها كل القرارات والسياسات والقوانين المتخذة في السنوات الأخيرة، وهو ما أثارته تقارير منظمات دولية كثيرة اتهمت النظام الإيراني بالتعسف على المرأة وتحويلها إلى “آلة إنجاب”، تقرير منظمة العفو الدولية ندد في عام 2015 بمشروعي قانون للتشجيع على الإنجاب، يحظر أحدهما تعقيم المرأة اختياريا والترويج لتحديد النسل، فيما يزيد مشروع قانون آخر صعوبة حصول النساء اللاتي ليس لديهن أطفال على وظائف، واعتبرت المنظمة أن المشروعين يعنيان تراجعا لوضع المرأة الإيرانية عقودا إلى الوراء، بما احتوياه من زجر وتدخل في القرارات الشخصية للمرأة وللأسرة. السياسة الإيرانية الدؤوبة الحاثة على الإنجاب، والرامية إلى الوصول إلى سقف 150 مليون نسمة في العقود القليلة القادمة، ليست منطلقة فقط من دواع دينية، بل لا نبالغ إن قلنا إن الأسباب الدينية هي آخر الأسباب. تقف وراء هذه السياسة دواع سياسية وإستراتيجية متصلة بالتخوف من تحول المجتمع الإيراني إلى مجتمع شيوخ، ومرتبطة ثانيا بالاستشعار الإيراني المبكر للتحسن الاقتصادي المترتب على الاتفاق النووي ورفع العقوبات، ومنطلقة أساسا من الرؤية الإيرانية الإستراتيجية القائمة على المنافسة وعلى السعي للسيطرة على المنطقة ما يتطلب توفير كل العناصر بما في ذلك الغلبة السكانية والديمغرافية. صحافي تونسي :: اقرأ أيضاً ليبيا.. ساحة جديدة للصراع بين روسيا والغرب في مؤتمر أستانة.. روسيا الخصم والحكم دعوات أميركية لإعادة الحوار مع مجاهدي خلق مادلين أولبرايت وستيفن هادلي: انعزالية واشنطن وهم خطير
مشاركة :