لم تُخفِ الابتسامات العريضة على وجهي مساعدي الأمين العام للأمم المتحدة، توماس غاس وديفيد نابارو، قلقهما من التقلبات السياسية التي تشهدها القوى الغربية، وما قد يترتب على ذلك من عواقب على ثقة الشعوب بالأمم المتحدة والتزام حكوماتهم بدعم برامج المنظمة الأممية. ومن مقر «أهداف التنمية المستدامة» في منتدى «دافوس» الاقتصادي، حاورت «الشرق الأوسط» الأمين العام المساعد توماس غاس، المسؤول عن تنسيق السياسات والشؤون المشتركة بين الوكالات، في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة. وبعد يوم حافل بأنشطة تهدف حشد الدعم اللازم لتطبيق الأهداف التنموية الـ17 برفقة نخبة من السياسيين والناشطين في المجال التنموي، قال غاس إنه مستعد لمواجهة تحدي تراجع الدعم الحكومي البادي في خطابات قادة بعض الدول الأعضاء. وأوضح غاس: «لا تبنى المنارات ليوم مشمس، وإنما لإنارة عتمة الليل وتحسين الرؤية خلال العواصف»، لافتا إلى أن «تاريخ الإنسانية - ومعه تاريخ الأمم المتحدة - شهد فترات عصيبة، وأخرى كان عنوانها الشك، غالبا ما تكون أسبابه مقنعة». وتابع أنه خلال السنوات الثماني الماضية، حقق المجتمع الدولي تحت المظلة الأممية تقدمًا ملحوظًا فيما يتعلق بالبيئة والتغير المناخي، من خلال سنوات من التفاوض تُوجت باتفاق باريس، كما في مجال التعاون الدولي لمحاربة الفقر والمجاعة، وإغاثة المستضعفين ضمن أهداف التنمية المستدامة التي التزم بها قادة العالم في 2015. وقال غاس إن «كل هذا العمل مكننا من بناء المنارة»، متابعا أن «التحدي اليوم»، وهو ما يعبر عنه عنوان منتدى «دافوس» لهذا العام، هو مواصلة هذا العمل وتعزيزه من خلال «قيادة مسؤولة ومتجاوبة». وردا على سؤال حول أوجه الاختلاف بين أهداف التنمية المستدامة وأهداف الألفية، قال غاس إن مقاربة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة اختلفت من نموذج «دول متقدمة، ودول نامية أو دول العالم الثالث»، إلى مقاربة أكثر شمولية وترابطًا، لافتًا إلى أن التنمية ليست حكرًا على الدول النامية؛ وإنما أصبحت واقعًا في المجتمعات الغربية كذلك، حيث التفاوت الاجتماعي وتدهور مستويات العيش وظاهرة «المكننة» و«الأتمتة»، كلها تهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. من جهته، شارك ديفيد نابارو، وهو طبيب بريطاني عُين مستشارا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة لبرنامج أهداف التنمية المستدامة، غاس تفاؤله، داعيا لمزيد من التعاون الدولي والالتزام بتنفيذ الأهداف، وبخاصة تلك المتعلقة بالصحة ومكافحة انتشار الأوبئة. وقال نابارو متحدثا عن مستوى الخدمات الصحية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن هناك 3 مصادر خلل رئيسية في هذا الإطار. وتابع أن هناك دولا في المنطقة استثمرت في أنظمة صحية تتيح لمواطنيها الحصول على تغطية صحية منخفضة الكلفة وذات جودة، إلا أن مختلف الأزمات الاقتصادية تسببت في تدهور هذه الخدمات بسبب قلة الأطباء والممرضين وغلاء أسعار الدواء. أما الخلل الثاني، فهو يتعلق بالأمراض المزمنة، كسمنة الأطفال والسكري والسرطان وغيرها، والتي لا تزال التوعية بشأنها منخفضة، وتحتاج إلى اهتمام - ليس فقط من طرف وزارات الصحة - بل من الحكومات ككل، إذ إن هندسة المدن مثلا تتحكم فيما يستطيع سكانها ممارسته من مختلف الرياضات. أما الخلل الأخير، فهو الناجم عن الحروب والنزاعات المسلحة في المنطقة، وما ينجم عنها من اكتظاظ في المستشفيات وسوء تغذية وصعوبة الحصول على الدواء، إضافة إلى الاستهداف الممنهج لمراكز العناية الطبية. ويذكر أن أجندة الأمم المتحدة والمنظمات التنموية والشركات العالمية، أمثال «فيليبس» و«ماستر كارد»، في منتدى دافوس لهذه السنة ترتكز على حشد دعم القطاع الخاص والمسؤولين المؤثرين لتطبيق أهداف التنمية المستدامة. بهذا الصدد، قال فرنس فان هوتن، الرئيس التنفيذي لشركة «فيليبس» والعضو المشارك في رئاسة المنتدى الاقتصادي العالمي هذا العام، لـ«الشرق الأوسط»، إن شركته ملتزمة بتعزيز أعمالها الخيرية في قطاع الصحة عبر العالم، وبخاصة في الدول الأفريقية والآسيوية التي تعاني من نقص في الأطباء والموارد الطبية الأساسية. واعتبر فان هوتن أن «ذلك لا يخدم المستفيدين فحسب؛ بل يبني أرضية اقتصادية وتكنولوجية مستديمة ومربحة في المستقبل». وانطلق تنفيذ أهداف التنمية المستدامة الـ17 لخطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي اعتمدها قادة العالم في سبتمبر (أيلول) 2015 في قمة أممية تاريخية، بداية من عام 2016، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى دعم القطاع الخاص والمستثمرين عبر العالم. أما الحكومات، فالتزمت خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة - واضعة نصب أعينها هذه الأهداف الجديدة التي تنطبق عالميا على الجميع - حشد الجهود للقضاء على الفقر بجميع أشكاله، ومكافحة عدم المساواة، ومعالجة تغير المناخ، مع كفالة اشتمال الجميع بتلك الجهود. وعلى الرغم من أن أهداف التنمية المستدامة ليست ملزمة قانونا، فإن من المتوقع أن تأخذ الحكومات زمام ملكيتها وتضع أطرًا وطنية لتحقيقها. ولذا فالدول هي التي تتحمل المسؤولية الرئيسية عن متابعة التقدم المحرز واستعراضه، مما يتطلب جمع بيانات نوعية، يسهل الوصول إليها، في الوقت المناسب، بحيث تستند المتابعة والاستعراض على الصعيد الإقليمي إلى التحليلات التي تجري على الصعيد الوطني، وبما يساهم في المتابعة والاستعراض على الصعيد العالمي.
مشاركة :