بلاد العرب أوطاني ألا تباً لكِذبتكمْ

  • 1/19/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لم أكن صغيراً كان عمري خمس عشرة سنة، عندما كنت أغنّي دوماً: بلادُ العُربِ أوطاني ** منَ الشّامِ لبغداد ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ ** إلى مِصـرَ فتطوانِ فلا حدٌّ يباعدُنا ** ولا دينٌ يفرّقنا لسان الضَّادِ يجمعُنا ** بغسَّانٍ وعدنانِ وما زلت أؤمن بذلك حتى سافرت لبلاد العرب، كان سبب سفري دعوة من الجامعة الأردنية، وبرسالة من مكتب الأمم المتحدة في الأردن، لحضور دورة تدريبية في حقوق الإنسان، وهنا تكمن المفارقة. انطلقت من تركيا؛ حيث مكان إقامتي، وكانت إجراءات السفر ميسَّرة كأي بلد يحترم الإنسان كإنسان، إلى أن وصلت إلى المملكة الأردنية الهاشمية، تقدمت باتجاه بوابة الدخول، وعرَّفت بنفسي، فطلب مني الانتظار جانباً عندما علم أنني أحمل الجنسية السورية، فأظهرت له الإذن الممنوح لي من قِبل الجامعة والدعوة الأمنية من فرع المخابرات، فأخذهما ولم يعد لفترة كدت فيها أن أسقط أرضاً. نادى من بعيد حسان جنيدي، ووجَّه بأطراف أصابعه خُذه.. في هذه اللحظات كأن الروح خرجت من الجسد. يا سيد، أنا دكتور أُرسلت لي دعوة من جامعتكم.. لا لا يوجد لك اسم. قال لي إنه غير مرحب بدخولك المملكة، ألا تعلمون أن بيتنا صغير علينا.. واقع مرير مؤلـم لا يخفى على أحد، ولكن أحقاً الحكام العرب هم السبب وراء ما يحدث؟ لم أناقشه على الرغم من أنني لا أتفهم ذلك ولا أتمناه لكائن من كان. يا سيد.. أعطني فرصة لأتواصل مع الجامعة، كان يبدو أن هناك غياباً بالتنسيق فجهة أمنية ترحب وأخرى لا ترحب. كان الموقف محرجاً ومتعباً للنفس، وفي خلال هذه الفترة لحين إعلامك بماذا سيفعلونه بك، تراودك كل الأفكار الشيطانية وتبدأ تفكر ماذا إذا أبلغوك أنهم سيرحلونك إلى سوريا؟ كيف يمكن لك أن تنتحر؟ ما هي الطريقة الأقل إيلاماً في الموت؟ وبمجرد دخولك سجن المطار تجد آلام الوطن العربي في هذا السجن، فأغلب المساجين هم من البلاد العربية التي حصلت بها ثورات وكأنهم يبلغوننا هذه عقوبة من يخرج ثائراً على جلَّاديه. المفارقة في الأمر أن هناك إحدى السجينات من الجنسية الفلبينية وكان وضعها النفسي غير مستقر، إما نتيجة تعاطي جرعة كحول زائدة أو نوبة صرع، فأدخلوها ووضعوها معنا بزنزانة مخصصة للنساء، ولكن الباب بين الزنزانتين مفتوح. لم يمضِ سوى نصف ساعة حتى جاءت سفيرتها ومعها كل ما لذَّ وطاب ولم تترك وسيلة للتعبير عن الغضب إلا وعبَّرت عنها بحديثها مع أمن المطار. أصبحنا نرى الآن السوري وغيره من العرب المهاجرين تاركي الأوطان يهربون عن طريق البحر "طريق الموت" من جحيم وطنهم إلى أوروبا، التي تستقبل بإنسانية "مصطنعة" مئات الآلاف منهم، ويُمنعون من دخول أغنى الدول العربية المجاورة، في المقابل تستقبل تلك الدول ملايين الأجانب من غير العرب بترحاب عربي أصيل. كان هناك معاناة كثيرة للموجودين ولا مجال لذكرها؛ حيث كان أسلوب المعاملة للعائلات السورية القادمة لزيارة أهلها هو إدخال أحد الزوجين أو جزء من العائلة وإعادة الباقي، فتقرر العائلة بذلك العودة من حيث أتت. قابلت أشخاصاً كانت المحاولة الخامسة لهم للدخول؛ حيث إن عائلاتهم بالأردن وهم يعملون بالخليج، والخليج لا يسمح لهم باستقدام عائلاتهم فيضطرون إلى أن يبقوهم في الأردن ويحاولون كل مرة الدخول. للعلم أنه لم يتم ترحيلي حتى دفعت لشرطي المطار الذي توسط لي أن لا يبقوني بالسجن لفترة طويلة وتم ترحيلي إلى تركيا، وعندما عدت قبَّلت أرض المطار وشعرت حينها ما تقدمه تركيا لنا كسوريين، وما يقدمه لنا إخوة العرب. لماذا هكذا يا أبناء العرب؟ أنسيتم هواء قاسيون؟ أنسيتم سهرات الزبداني؟ أم أنكم تشاركون الجلاد ولكن بطريقتكم الخاصة؟ رحم الله بلاد العرب أوطاني. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :