أحداث كثيرة ومعقدة أصابت وطننا العربي... تجعلني أتذكر بتأمل قصيدة «بلاد العرب أوطاني»، للشاعر فخري البارودي، تلك القصيدة التي كانت في سالف الأزمان أشبه بالنشيد الوطني لكل عربي، الكل كان يتغنى بها ويرددها بين نفسه ومع أصدقائه ووسط أبنائه، أو في عمله. نعم أتذكر تلك القصيدة التي أحفظها عن ظهر قلب، وأسترجع ذكرياتها، فأرى أنها ذكريات جميلة، لم تستمر في وجداننا العربي كثيرا، ولكنها أصبحت مجرد ذكريات نتلهف عليها، ونتمنى رجوعها، إلا أن البعد بين كل عربي وآخر في ازدياد مطرد، فلم يعد الهم العربي متوفرا في المشاعر كما كان في السابق، فقد تجد من يؤمن بالقومية العربية ويحارب من أجلها، ولكنه سرعان ما يصاب بالإحباط وهو يرى الكثير لا يوليه الاهتمام المطلوب... أو ينظر إليه نظرات فيها الكثير من الدهشة والاستغراب... على أساس أنه شخص لا يزال متمسكا بفكرة عفى عليها الزمن. أتذكر قصيدة «بلاد العرب» للشاعر فخري البارودي... وما حظيت به من اهتمام كبير في ما سبق من الزمن العربي... تلك التي تغنى بها المطربون... ورددها البسطاء والأدباء، لتصبح نشيدا وطنيا واحدا، لكل عربي في أي بقعة من بقاع الأرض، وهي القصيدة التي لخصت بلغة بسيطة وعميقة الفكرة والمعنى... كل أحلامنا العربية المشتركة، وتحاورت بصدق وإخلاص مع الوجدان العربي العام. إلا أن الأحداث تصاعدت... وفي الوقت نفسه تراجعت القومية العربية، ولم تعد لدينا تلك الأحلام العربية المشتركة التي تذكرها القصيدة، وبلادنا العربية لم تعد أوطانا مشتركة... فلكل وطن عربي حالته وخاصيته وحدوده وأحلامه التي لا تقترب مع الأحلام العربية الكبيرة، رغم أن اللغة واحدة والمصير واحد والعادات والتقاليد والأفكار تكاد تكون واحدة، إلا أن القومية العربية لم تعد لها ذلك الوهج الذي كانت تتمتع به فيما سبق. إنها أيام عاشها العرب في زمنهم الجميل، لتأتي أيامنا تلك... التي لم يعد فيها أي طعم لفكرة عربية مشتركة، أو أي أثر لرؤية واحدة، فلكل واحد له فكرته ورؤيته وأحلامه التي يريد تحقيقها منفردا، مما أسهم في التقليل من قوتنا أو تأثيرنا على الأحداث التي تضرب بعض مناطقنا، وتعصف بنا عصفا. ولأنني أحن إلى الزمن العربي الجميل فإنني سأضع القصيدة في هذه المساحة، كي نقرأها معا ونتأمل معانيها وأحلامها: بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّـامِ لبغدانِ ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ فـلا حـدٌّ يباعدُنا ولا ديـنٌ يفـرّقنا لسان الضَّادِ يجمعُنا بغـسَّانٍ وعـدنانِ بلادُ العُربِ أوطاني من الشّـامِ لبغدانِ ومن نجدٍ إلى يمـنٍ إلى مصـرَ فتطوانِ لنا مدنيّةُ سَـلفَـتْ سنُحييها وإنْ دُثرَتْ ولو في وجهنا وقفتْ دهاةُ الإنسِ و الجانِ بلادُ العُربِ أوطاني من الشّـامِ لبغدانِ ومن نَجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مصـرَ فتطوانِ فهبوا يا بني قومي إلى العـلياءِ بالعلمِ وغنوا يا بني أمّي بلادُ العُربِ أوطاني بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّـام لبغدانِ ومن نجدٍ إلى يمـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ * كاتب وأكاديمي في جامعة الكويت alsowaifan@yahoo.com
مشاركة :