القاهرة: الخليج تمثل بنايات منطقة وسط البلد في العاصمة المصرية القاهرة، متحفاً مفتوحاً لمختلف فنون العمارة الأوروبية خصوصاً، تروي فصولاً من قصة نهضة عمرانية عاشتها مصر، مطلع القرن الماضي، نافست في روعتها وتصاميمها التي نفذت على أيدي أعظم المهندسين الأجانب، أكبر عواصم قارة أوروبا وغيرها من دول العالم. تمتد القاهرة الخديوية من منطقة وسط القاهرة، التي تضم شوارع طلعت حرب وقصر النيل وعماد الدين حتى منطقة الموسكي، وتنتهي بمنطقة رمسيس، وتضم العديد من البنايات التي تجسد مختلف فنون العمارة التي عرفت خلال القرن الماضي، بما تتميز به من أصالة وعراقة. تتميز بنايات منطقة وسط البلد بالعمارة التي كانت سائدة في أوروبا مع بداية القرن التاسع عشر، وإن غلبت عليها فنون العمارة اليونانية، وربما يرجع ذلك إلى الأعداد الكبيرة من أفراد الجالية اليونانية التي عاشت في مصر في تلك الفترة، والذين قاموا ببناء عقاراتهم على الطرز السائدة في موطنهم الأصلي، وهو ما يبدو واضحاً في العديد من البنايات الكائنة حالياً في شارعي شامبليون وشريف والمطلة على ميدان التحرير، الذي كان يعرف سابقاً باسم ميدان الإسماعيلية نسبة إلى الخديوي إسماعيل. وتتصف العمارة في تلك المناطق بالشكل المميز للعمارة في اليونان، من حيث أسلوب الأعمدة داخل البناء وخارجه، فضلاً عن الأروقة المعمدة والكبائن المغلقة من الزجاج والكريستال. وتعد الكنيسة اليونانية في منطقة الإسعاف، نموذجاً فريداً لتلك العمارة. وضع حجر الأساس لهذه الكنيسة في عام 1906، واستغرق بناؤها نحو 8 سنوات، قبل أن تفتح أبوابها للجالية اليونانية لأداء الصلوات فيها. ويروي توني تيامانديرس، رئيس لجنة الكنائس بالجمعية اليونانية، قصة بناء هذه الكنيسة التي قام الأخوان كريازي بتحمل نفقات بنائها من استثماراتهم الخاصة، فيقول: كانت الأرض المقامة عليها ملكاً ل3 إخوة من عائلة كريازي، وهي إحدى أكبر العائلات التي استوطنت مصر في القرن التاسع عشر، وكان هؤلاء الإخوة قرروا بناء مصنع للدخان، قبل أن يتنازلوا لاحقاً عن الأرض لصالح الجمعية اليونانية، التي قررت بناء كنيسة بهدف خدمة أفراد الجالية في مصر. يضيف تيامانديرس: قام تساناكليس وهو أول رئيس للجمعية اليونانية، بشراء الأرض بسعر يقارب جنيهين ونصف الجنيه للمتر في ذلك الوقت. تقوم الكنيسة اليونانية على مساحة تقارب 900 متر مربع، روعي في بنائها موافقة الطراز البيزنطي المميز للكنائس اليونانية، ورغم أن عمرها يزيد اليوم على 100 عام، إلا أنها لم تدرج حتى الآن ضمن قائمة الآثار، ولم تسجل بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري، ضمن الأبنية ذات الطراز المعماري المتميز. بعد التأميم عقب ثورة يوليو في عام 1952 وما تلاها من قرارات التأميم، آلت ملكية بنايات وسط البلد إلى مجموعة من رجال المال المصريين، حيث شملت هذه القرارات التي صدرت في الستينات، عدداً كبيراً من هذه الأبنية، ما دفع كثيراً من ملاكها إلى بيعها ومغادرة مصر. تحولت العديد من بنايات وسط القاهرة إلى مكاتب تجارية وعيادات للأطباء، بعدما هجرها سكانها بسبب الزحام، وحركة التجارة والبيع، وهو ما أثر بشكل كبير في معمار الكثير من تلك البنايات، التي لم تتجاوز في ارتفاعاتها 7 طوابق، من بينها السطح الذي يضم في معظم هذه البنايات ما بين 30 إلى 40 غرفة، كانت مخصصة كمساكن للطهاة والعمال وحراس البنايات. اليوناني سارباكيس، كما يقول مسؤولون في الجمعية اليونانية بالقاهرة، كان يمتلك ما يقرب من 30 بناية في منطقة وسط البلد، لكن هذه البنايات سرعان ما تحولت ملكيتها إلى مصريين بعدما قرر في سبعينات القرن الماضي مغادرة مصر، والعودة إلى بلاده، وأوكل إلى أحد المحامين اليونانيين في القاهرة مهمة البيع، فباع الكثير منها ولم يتبق منها سوى بنايتين في شارع ميريت، تتميزان بتصميماتهما على طرازي النيو باروك الفرنسي والأرت ديكو. في القاهرة الخديوية تعد البناية رقم 16 في شارع 26 يوليو إحدى أشهر بنايات اليونانيين في القاهرة، وهي تابعة للمؤسسة العبيدية اليونانية، التي قامت بشراء الأرض وتخصيصها لتكون مقراً لها، ثم حولتها مقراً لمدرسة يونانية، قبل أن يتم هدم المدرسة لاحقاً، وتشييد تلك البناية التي تتميز بمعمارها على طراز النيو باروك الفرنسي. البناية مكونة من 9 طوابق، على مساحة 4200 متر، ولها مدخلان متصلان من الداخل يقودان إلى 6 مصاعد. منذ ما يزيد على 5 سنوات، اعتمدت الحكومة المصرية برنامجاً لصيانة بنايات القاهرة الخديوية، بالشراكة مع جمعية الثقافة الفرنسية، والجهاز القومي للتنسيق الحضاري، حيث تتم عمليات التطوير والصيانة وفق دراسات تاريخية للمرحلة التي تم البناء فيها. ومن أبرز المباني التاريخية التي تم ترميمها، بناية حلاوة التي تخطى عمرها قرناً من الزمان، ويشترط المركز القومي للتنسيق الحضاري على الشركات العاملة في مشروع التطوير، أن تتم الترميمات للبنايات بلونها الأصلي، على نحو ما جرى قبل سنوات في منطقة طلعت حرب القريبة من ميدان التحرير.
مشاركة :