الرجوع للحق الفضيلة المفقودة

  • 1/23/2017
  • 00:00
  • 34
  • 0
  • 0
news-picture

كلنا نلاحظ ونستاء لكثير من التجاوزات التي صارت تُشكل القسط الوافر من لغة التخاطب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هناك حالة من التردي اللفظي في التنكيل بمن نختلف معه، من الواضح أن عدم التقنين التشريعي، أو بتحديد أدق الملاحقة القانونية، دفع البعض إلى التمادي «فمن أمن العقاب أساء الأدب». ولهذا من المرات القليلة التي وجدت فيها اعتذارا عبر «فيسبوك» هو ما لجأت إليه إحدى النجمات المصريات، عندما تجاوزت في حق لاعب الكرة السابق أبو تريكة، ونعتته بالإرهابي، وكانت المحكمة قد أصدرت قرارا بالتحفظ على أمواله ومنعه من السفر، وترقب وصوله بالمطار وغيرها من الإجراءات الاحترازية، إلا أن هذا لا يعني أبدا وصفه بالإرهابي. وبالطبع يحظى أبو تريكة بقسط وافر من حب الشباب في عالمنا العربي، نظرا لأنه على خلق، ولم يصدر عنه طوال مشواره داخل المستطيل الأخضر وخارجه ما يستحق أبدا الاستهجان. هناك درجة تعاطف مع اللاعب الذي صار أيقونة كُروية حاملا لقب «أمير القلوب»، وكانت المفاجأة أن النجمة تلقت آلافا من العبارات التي رفضت موقفها، على الفور تراجعت وأعلنت اعتذارها، مؤكدة أنها لم تقصد، بل أضافت أن من هاجموها بعبارات قاسية عليهم أن يعلموا أن هذا لا يرضي أبو تريكة. وبعيدا عن تحديد إجابة قاطعة، هل كتبت النجمة هذا الاعتذار بعد أن وجدت أن شعبيتها ستتناقص في قلوب جمهورها، أم أن هذا هو موقفها المبدئي؟ سوف أترك لكم الإجابة، لأني أرى أنه ليس من حقي أن أتيقن من نوايا الناس. ما استوقفني هو ثقافة الاعتذار الغائبة في السنوات الأخيرة، حيث يتمادى البعض في الهجوم على المختلف، حتى لو ثبت أنه قد جانبه الصواب، فهو لا يتورع عن استخدام الألفاظ الجارحة من أجل أن يحقق بالصوت العالي ما عجز عنه بالمنطق، نسينا في هذا الصخب مقولة «الرجوع للحق فضيلة» صارت تلك هي الفضيلة الغائبة عن سلوكنا في كثير من الأمور. التواصل الاجتماعي ليس فقط وسيلة شعبية، ولكن كثيرًا من القيادات في العالم يستخدمونه، ترمب مثلا كثيرا ما يعبر عن موقفه الشخصي عبر حسابه الشخصي، فلا يمكن أن يصدر كل شيء من موقعه الرئاسي، رغم أن الناس بالطبع لا تعترف بتلك الحدود الفاصلة بين أن يكتب على صفحته أو يصدر قرارا من البيت الأبيض في الحالتين هو الرئيس، وذلك مثلما حدث مؤخرا مع ميريل ستريب ووصفها بأنها «أخذت تكريمًا أكثر مما تستحق»، ردا على انتقادها لما بدر منه من أقاويل بحق الأقليات وذوي الاحتياجات الخاصة. ما المفقود في هذا العالم الافتراضي؟ إنه التقنين، نعم حتى نصل للنظام نبدأ بمرحلة الفوضى، إلا أنني في كل الأحوال لا أميل أبدا لتلك الآراء التي ترى أن الإغلاق هو الحل، دائما هناك وجهان للصورة، لقد تفجرت الشرارة الأولى لثورات الربيع العربي عبر مواقع التواصل، فهي دائما لها وجه مضيء. أما الجانب المظلم فمن بين ملامحه تلك التجاوزات اللفظية، التي صارت تشكل ملمحًا رئيسيًا لارتفاع معدلات العنف في الشارع، حيث انتقل من العالم الافتراضي لعالم الواقع، ومما زاد الأمر وعورة أن أغلبنا ينزلق إلى تلك الرمال الناعمة ويتمادى لا شعوريا في الهبوط. مع الأسف هناك من يرى أن رأيه هو الصواب الذي لا يحتمل أبدا الخطأ، بينما رأي غيره خطأ لا يحتمل أبدا الصواب، وتلك هي «أُم المشكلات»!!

مشاركة :