أين فضيلة الرجوع إلى الحق ؟!!

  • 10/22/2013
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

رغم أن ثقافتنا العربية ما زالت تخلد قول (الرجوع إلى الحق فضيلة)، وتنظر إلى الإقرار بالخطأ والتراجع عنه على أنه ميزة سامية لا يتسم بها سوى من منحه الله الفضل، إلا أن تلك الثقافة على المستوى التطبيقي تميل إلى ما هو غير ذلك، فكثير من الناس يجدون صعوبة بالغة في الإقرار بالخطأ والتراجع عنه، حتى كاد أن يكون طلب ذاك رابع المستحيلات الثلاثة الشهيرة، فمن النادر أن تجد من يظهر على شاشة التلفزيون أو على صفحات الصحف ليعلن أمام الناس تراجعه عن خطأ وقع فيه أو ادعاء ادعاه ثبت له بطلانه. ندرة المعتذرين عن أخطائهم جعلت من يفعل ذلك يبدو غريبا، شجاعا، عملة نادرة، فينهال عليه الثناء والحمد ممجدا في شخصه سلوكا لم يعد يرى كثيرا بين الناس !! الهرب من التراجع عما ثبت خطأه، سمة مشتركة بين عموم الناس لا يختلف فيها عالمهم عن جاهلهم، ولا كبيرهم عن صغيرهم، ولا تابعهم عن متبوعهم، فالطبيعة البشرية المشتركة داخلهم توصد الباب بينهم وبين التراجع والاعتذار، حتى وإن وجدتهم أحيانا يرددون قول (نحن بشر معرضون للخطأ)، أو (نحن نعمل ولذلك نخطئ وأن الوحيد الذي لا يخطئ هو من لا يعمل)، أو غير ذلك من التبريرات الكثيرة للوقوع في الخطأ، إلا أنهم على مستوى التطبيق العملي نادرا ما يتراجعون عن خطأ فعلوه. في مقابلة تلفزيونية مع أحد العلماء إثر تصريحاته (الطبية) حول التأثيرات الصحية الضارة التي تصيب النساء بسبب قيادة السيارة، استمات الطبيب المحاور له في أن يقنعه ببطلان قوله علميا لعدم وجود ما يثبت صدقه، لكن الشيخ كان مصرا على التشبث بما قال وعدم التراجع عنه، حتى وإن لم يجد له حجة تدعمه أو برهانا يؤكده. وكأني بالشيخ الجليل غاب عنه أن العالم الشرعي ليس مطالبا بأن يكون عالما في كل المجالات، وأن اعترافه بخطئه في القول في مجال ليس من اختصاصه لا يقلل من شأنه، ما يقلل من الشأن هو الإصرار على ادعاء المعرفة بلا دليل، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة، فقد أثر عنه أنه تراجع عن رأي ارتآه يتعلق بشأن دنيوي بعد أن تبين له عدم صوابه، قائلا للناس: (أنتم أعرف بأمور دنياكم)، لم ير في التراجع عيبا ولا نقصانا. إن إعلان التراجع عن قول خاطئ ثبت بطلانه، أو مشورة سيئة بدا ضلالها، هو في حقيقة الأمر يرفع من قدر المعتذر، ويمنحه احترام الناس وتقديرهم لصدقه في اتباع الحق وتقديمه له على التشبث بالكمال. حين يحاججك عالم في مجال اختصاصه كأن يكون في علم الفيزياء أو الفلك أو الجيولوجيا أو الأجنة أو غيرها من العلوم، فيبين لك بأدلته العلمية بطلان ما قلت، ثم تصم أذنيك عن كل ما قال وتصر على رأيك الشخصي الذي لا تدعمه المعرفة، فإنك حينذاك لا تزيد عن أن تكون عمقت الإساءة إلى نفسك، ومنحت الآخرين مساحة أكبر ليمعنوا في التهكم بك والتندر بما تقول.

مشاركة :