جمهور الشاعر وقراؤه بقلم: علي جعفر العلاق

  • 1/23/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لا شك في أن فعل القراءة يشير إلى عمق الصلة بالشعر، وعيا ومعرفة وإحساسا مدربا. بينما لا يصل مصطلح الجمهور، ربما، إلى هذه المديات جميعا وبالعمق ذاته. العربعلي جعفر العلاق [نُشرفي2017/01/23، العدد: 10521، ص(14)] تساءلت، في كتاب عن الشعر والتلقي صدر لي قبل سنوات “ما الذي يدفع شاعرا مثل أدونيس إلى أن يتحدث، في حوار مع إحدى المجلات الأسبوعية، بهذه النبرة اليائسة “ليس لي جمهور، ولا أريد جمهورا”. ولم أكن متيقنا حينها هل كانت صرخة أدونيس تلك بدافع اليأس أم بدافع الشجاعة. واليأس الذي أعنيه ليس يأسا يتعلق بأدونيس تحديدا، ولا يتصل بمشروعه الشعريّ، أو مآلات هذا المشروع. بل يأسه شخصيا من وضع شعريّ أو ثقافيّ عام. والشجاعة التي كنت أعنيها هي شجاعة الاعتراف، تلك الفضيلة التي سُلِبناها منذ قرون، ولم نعد في حاجة إليها، بعد أن استعضنا عنها بتضخم الذات وشراهتها المتعالية. لقد شدتني بقوة، إلى حوار أدونيس، نقطة كانت شديدة الذكاء، ميز فيها الشاعر، بجملة حاسمة، بين القراء والجمهور “الخلاقون لهم قراء”. ولم تكن إشارتي إلى أدونيس في سياق دراسة عن شعره، بل كانت في سياق آخر تماما، ليس هنا موضع التريث عنده أو توضيحه. يحق لكل منا أن يبدي رأيه، مهما كان صادما أو راديكاليا، في مشهدنا الشعريّ وما يتم فيه من منجزات أو معصيات أو خروقات. فليس هناك ما يمنع ذلك، أو على الأقل، ما يدعونا إلى التروّي أو إمعان النظر فيه. وهذا جزء من ديمقراطية مغشوشة، أو فوضى نافعة، سمها ما شئت، تم ترسيخها بدافع التسلط على مصادر الضوء حينا، أو بدافع الجهل حينا آخر. وقبل أن أسترسل في تداعيات تأخذني بعيدا عما أنا فيه، أعود مسرعا إلى بداية الكلام، إلى القراء والجمهور، وأعني بهما قراء الشعر وجمهوره تحديدا. لا شك في أن فعل القراءة يشير إلى عمق الصلة بالشعر، وعيا ومعرفة وإحساسا مدربا. بينما لا يصل مصطلح الجمهور، ربما، إلى هذه المديات جميعا وبالعمق ذاته. إن قراءة القصيدة في الغالب هي جهد العزلة الفياضة بالتأمل المشرق في ما نقرأ. وهي أيضا حصيلة التحام، نفسيّ ولغويّ وتخيليّ، بالنصّ. تعززه المعرفة، ويوسع مدياته إحساسٌ قويّ بما نقرأ. أما مصطلح الجمهور، وهو ما أشرت إليه في المناسبة ذاتها، فهو بقية من بقايا الفاعلية الشفاهية التي حكمت، ولا تزال، مسيرة القصيدة العربية الحديثة في طريقها إلى المتلقي. وإذا كان أمام قارئ القصيدة نصّ ماثل يعكف عليه، أو كتلة مترابطة يعالجها، بالتكرار أو الإعادة أو الإبطاء أو التحديق في فضاء ورقيّ يحتضن اللغة ويتسع لامتداداتها، فليس للجمهور مثل هذا الرفاه في عملية التلقي. فهو كائنٌ شفاهيّ يتلقى أثر القصيدة دفعة واحدة. اختلاجات في الجسد أو نشوة مؤقتة في الحواس، يتولى إنجازها، أو إنجاز الكثير منها، هواء يوزع هباته التي لا تعمر طويلا على الطريق: لا يعيد نفسه ولا يقصر محمولاته على التريث. يعيدني هذا الحديث، حتما، إلى سؤالي السابق. لتتصل أواخر الكلام بالبدايات، فإذا بحديث الشعر واحد وإن تعددت مسالكه، واختلفت منطلقاته. فنحن لا نزال في المهب ذاته، حيث الريح ما انفكت تتلاطم، وتحتدم، ويأكل بعضها بعضا، بشراهة لا تعرف الارتواء. وباستثناء القراء المدربين جيدا على الإصغاء إلى ما يهمس به النص في خلوته المجيدة، فلا أعتقد أن للقصيدة العربية الحديثة الآن، جمهورا مهموما كثيرا، بسماع الشعر، أو مقولات الحداثة الشعرية أو نظريات التلقي. إن ما نراه في الغابة المجاورة أشجار متراصة، في انتظار الشاعر الذي يوقظ ، بفرادته وصدقه الجميل، حفيفها المؤجل منذ سنوات. شاعر من العراق علي جعفر العلاق :: مقالات أخرى لـ علي جعفر العلاق جمهور الشاعر وقراؤه , 2017/01/23 طفولة مثل سراب بعيد, 2017/01/16 المتنبي وسؤاله الجارح , 2017/01/09 ما يضيع في الترجمة , 2017/01/04 الصندوق الأسود للقصيدة , 2016/12/27 أرشيف الكاتب

مشاركة :