شاعر البساطة الصعبة بقلم: علي جعفر العلاق

  • 8/21/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

قصيدة عريان السيد خلف نجحت أيضاً في تأسيس ثوابتها الإيقاعية الخاصة، هذه الثوابت التي اتسمت بالصفاء، والجاذبية، والبساطة.العرب علي جعفر العلاق [نُشر في 2017/08/21، العدد: 10729، ص(14)] التقيتُ قبل فترة، في بيت الصديق الفنان سعدي الحديثي في لندن، بمجموعة من الوجوه التي لم أرها منذ ثلاثين عاماً تقريباً؛ الفنان ضياء العزاوي، السيدة لمعان البكري، والمهندسة وجدان ماهر الكنعاني. وكالعادة ما اجتمع عراقيان إلاّ وكان الحزن ثالثهما. أخذتنا تلك الأمسية في اتجاهات شتى، من الشعر إلى الرسم، من غناء البادية إلى القصيدة العامية، من العمارة إلى خراب المدن، من الجواهري إلى السياب، ومن مظفر النواب إلى صوت سعدي الحديثي. بعد تلك الأمسية بيومين كان وجه الشاعر عريان السيد خلف، الذي لم يكن بعيداً عن أجواء أمسيتنا تلك، دامياً يملأ صفحات التواصل الاجتماعي، بعد أن هوت به سيارته من أعلى الجسر إلى الشارع، وظل الكثيرون يسهرون بين خوفهم عليه وبين قصائده التي لا يملون سماعها. عرفتُ عريان السيد خلف شاعراً لا يكتب القصيدة، بل تكتبه. هذه العبارة طالما سمعناها أو قلناها عن شعراء آخرين، حتى صارت من مألوف القول. لكنها شديدة الانطباق على عريان السيد خلف أكثر من سواه ربما. فهو لا يحتشد للقصيدة حين يكتبها، ولا يضع لها الخطط أو يبث لها الكمائن، بل يرخي لها العنان لتأخذه على هواها إلى آخر ما في التلقائية من مديات وذرىً واندفاعات سهلة وممتنعة في ذات الوقت. كان عريان السيد خلف ذا مخيلة برّية، رعوية، متقدة. تنساب على سجيتها ودون رادع فني أحياناً. كما أن موهبته سجلٌ لفطرة أصيلة لا تلتفت أحياناً إلى ما طرأ على لغة الشعر ورؤياه من تحولات زعزعت الكثير من ثوابته، غير أنه كان يعوض ذلك بسمات أسلوبية وعاطفية لم تتحقق في قصيدة شاعر من جيله كما تحققت في قصائده.. إن قصيدته تجسيد حي للتعبير العاطفي الفياض، للفطرة التي لم تخضع للترويض، وللتلقائية الدفاقة بالحياة البسيطة، الزاخرة بالألم والمعنى. وهي أيضاً قصيدة الجمال الخالي من الصنعة والقصدية. وإذا كان مبدع القصيدة العامية الأكبر مظفر النواب قد فتح لها تاريخاً جديداً لم تشهده من قبل، فإن عريان السيد خلف قد بلور صوته الشعري المميز ضمن الجيل الذي جاء تالياً للنواب. وكان من أبرز شعرائه شاكر السماوي وعريان السيد خلف وطارق ياسين ورياض النعماني وآخرون. لقد ظلت قصيدة عريان السيد خلف تلامس قلوب الناس وتدخل في نسيجها الوجداني، بتلقائية مؤثرة. لكن لغة هذه القصيدة ظلت وفية لمعجم العاطفة الريفية، ولوازم التعبيرعنها. الأمر الذي أدى إلى تعويل الشاعر، في بعض الأحيان، على تلقائية الانفعال بمعزل عن حداثة التعبير عنه. تكتظ قصيدة عريان السيد خلف بالكلام المبرأ من شبهة التعالم أو التثاقف المتلف لجمال الألم الريفي الصافي، كما أن لهجة هذه القصيدة لم يخالطها الكثير من كلام المدن، فظلت على حصانتها البيضاء الصافية التي يعشقها الناس ويتدافعون للاستماع إليها. في قصيدة عريان السيد خلف ثمة تعبير بالصور على درجة عالية من الجمال، غير أن ميزته لا تكمن هنا تحديداً، بل في مكان آخر: في وجع الدلالة، في حكمة الحياة البسيطة المجرحة، في تقلباتها التي لا تؤتمن، وفي دلالة القصيدة التي تنبثق، لا من خزين ثقافي جاهز، بل من خبرة واسعة بتفاصيل الحياة الوجدانية للإنسان الريفي أولاً، والإلمام الأصيل بلهجته ثانياً. وإذا كان لمظفر النواب تجلياته الإيقاعية المدهشة بما فيها من تنوع وغزارة، فإن قصيدة عريان السيد خلف نجحت أيضاً في تأسيس ثوابتها الإيقاعية الخاصة، هذه الثوابت التي اتسمت بالصفاء، والجاذبية، والبساطة التي قد تستعصي على الآخرين. شاعر عراقيعلي جعفر العلاق

مشاركة :