عودة خجولة للحياة في شرق حلب وسط الركام

  • 1/26/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

حلب (أ ف ب) - يكتفي عبد الحي بغرفة واحدة من اصل اربع في منزله المتضرر في شرق مدينة حلب وضع فيها بعضا من الفرش واشعل الحطب للتدفئة ولا يهمه سوى ان يهنأ بالامان بعد حرب طويلة انهكته. وكما غيره من سكان الاحياء الشرقية التي كانت تسيطر عليها الفصائل المعارضة طوال اربع سنوات، فضل عبد الحي العودة الى بعض من الحياة الطبيعية في بيته في حي الشعار برغم الركام المحيط به من كل حدب وصوب. وفي غرفته الصغيرة، يقول عبد الحي (38 عاما) لفرانس برس "الوضع بات آمنا، وهذا سبب كاف لعودتي مع عائلتي الى منزلي مهما كان حاله". ويضيف "كنا نعيش من دون مياه وكهرباء، وعدنا للعيش في الظروف ذاتها. يمكن الاستغناء عن الخدمات المعيشية لكن لا يمكن العيش بجوار الموت دائما، في ظل الخطر الذي بقي مرافقا لنا طيلة سنوات الحرب". تضرر منزل عبد الحي مرات عدة جراء المعارك التي شهدتها المدينة طوال اربع سنوات، وبدلا من النوافذ الزجاجية اعتاد على وضع الالواح الخشبية وقطع القماش. وكما عشرات الآلاف غيره من سكان الاحياء الشرقية، فرّ عبد الحي من منزله خلال المعارك الاخيرة التي تمكن اثرها الجيش السوري من استعادة كامل مدينة حلب في 22 كانون الاول/ديسمبر. ولكنه لم يستطع الانتظار كثيرا وبمجرد ان فتحت بعض الطرقات المؤدية اليه، عاد الى منزله ليجده وقد تحطم معظم اثاثه وانتشر الزجاج المكسر على ارضه. يقول عبد الحي "اخبرتنا المحافظة أنها ستقوم بتسجيل الأضرار من أجل الحصول على التعويضات لاحقا"، مضيفا "علينا إحضار أوراق ثبوتية تثبت أننا أصحاب العقارات، وبعدها سننتظر دورنا من أجل قدوم لجنة تقييم الأضرار لتطلع على حالة المنزل". وبانتظار حصول ذلك، عمد عبد الحي الى تنظيف جدران غرفة واحدة وضع فيها بعض الفرش والشراشف له ولزوجته واولاده وعلق فيها حبل غسيل. ويقول "سأجهّز الآن غرفة واحدة، وبعدها أعيد تجهيز البيت غرفة تلو الآخرى". وان كان الكثيرين من سكان شرق حلب بادروا الى البدء باعمال الاصلاحات في منازلهم للعيش فيها، فان آخرين ممن تدمرت منازلهم بالكامل ليس امامهم سوى الانتظار. - "لا اريد خسارة المزيد" - لم يترك احمد الجاسم وزوجته وابنهما (15 عاما) حي الشعار طوال فترة المعارك. وتسكن العائلة الصغيرة اليوم في منزل جيرانهم الذي يقع على بعد امتار عن بيتها المدمر تماما. تنهمر دموع ام عماد (48 عاما) وهي تلقي نظرة من على شرفة منزل جيرانها على انقاض بيتها واغراضها وثيابها المبعثرة بين الحجارة والقضبان الحديدية. وتقول "منزلنا تدمر وجيراننا سمحوا لنا بالبقاء في منزلهم، كلما خرجت الى الشرفة ابكي على المشهد". وتضيف "أقول لنفسي أننا الآن في مكان لا مياه فيه ولا كهرباء ومنزلي مدمر، كيف سيعود كل شيء الى حاله". وفي غرفة مظلمة وباردة وضعا فيها حبل غسيل، يلقي الجاسم (60 عاما) والى جانبه زوجته الالواح الخشبية في مدفأة حطب صغيرة تقيهما البرد القارس. ويقول الجاسم "البرد هنا لا يُحتمل، لا يوجد أي من مقومات الحياة، نستعيض عن الكهرباء بالبطاريات وعن المياه بشراء الغالونات"، مضيفا "يقوم ولدي بجمع الحطب طيلة الصباح من أجل أن نتدفأ في مساء". وبرغم غياب الحاجات الاساسية، يشير الجاسم الى ان "الامور اختلفت الآن وهناك أمان، ويمكنك الخروج في اي وقت دون خوف"، مضيفا "تحتاج ظروف المعيشة الى بعض من الوقت لتتحسن تدريجيا". ويخلص بحزن "أنا راض بالأمان لي ولولدي، لا أريد خسارة المزيد". تأمل ام عماد ان تتمكن من ارسال ابنها الى المدرسة مجددا بعدما حرم منها ثلاث سنوات.وتقول "كنتُ أخاف عليه كثيرا من الموت والقذائف، لكنّي اليوم مطمئنة. حان الوقت كي يعود إلى مدرسته". في حارة مجاورة ينتظر فؤاد السقّا (65 عاما)، امام بيته المتضرر بشكل كبير وصول الجرافات لازالة الركام الذي يسد جزئيا باب البيت. يدخن سيجارته ويقول ""لم يبق شيء من منزلي، ولم يبق لي منه سوى الوقوف على الأطلال بعدما سدّ الركام كل شيء حتى النوافذ والأبواب". وانتهت محافظة حلب من فتح غالبية الطرق الرئيسية في الاحياء الشرقية ولا يزال العمل مستمرا على فتح وتنظيف كافة الطرق الفرعية ايضا، الا ان الركام لا يزال منتشرا في شوارع عدة وامام المنازل والمباني. - الامان قبل كل شيء - وفي احد شوارع حي الشعار التي ازيل منها الركام، يقوم بعض الأطفال بتعبئة المياه من خزانات حديدية زرقاء اللون. يتعثر احدهم بعبوة كبيرة يحملها، يضعها أرضا كلما شعر بالتعب قبل ان يكمل طريقه. وبالقرب منه ينقل فتيان الالواح الخشبية على عربة لاستخدامها للتدفئة. يقصد سكان الاحياء الشرقية بعض محلات البقالة التي سارعت للعمل لتلبية حاجاتهم من مواد غذائية وبضائع ومستلزمات اخرى. واختار بعض التجار عرض بضائعهم على رصيف الطرقات، وبينهم عماد الدين السودا (37 عاما) الذي عاد ليفرش بسطته من الخضار والفاكهة على انواعها. ويقول عماد "قبل شهرين، كان هناك خوف وقصف ودمار، لم يكن بامكاننا حتى الوقوف امام البسطة خشية القذائف، وهي اصلا كانت عبارة فقد عن البقدونس والنعنع والفجل". ويضيف "أما الآن فهي غنية وملونة، والأسعار انخفضت كثيرا". لا يكترث البائع الشاب بالركام والدمار من حوله، ويقول "المهم ان يبقى الانسان بخير (...) كل شي يعود ويتعمر". ماهر المونس © 2017 AFP

مشاركة :