ترامب وسياسة حافة الهاوية ـ

  • 1/27/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لا شك أن الرئيس الأميركي ترامب شكل نمطا غير مألوف أميركيا ودوليا، سواء من جهة اسلوبه الخطابي أو من جهة أصوله الاجتماعية والوظيفية أو من جهة نظرته للإدارات الأميركية السابقة وللعالم، ولا شك أيضا أنه أثار قلق ليس فقط حلفائه الأوروبيين ودول في الشرق الأوسط بل أيضا قلق وغضب فئات متعددة داخل المجتمع الأميركي، كل ذلك خلق حالة "الترامب فوبيا" التي نستشفها من تصريحات وكتابات ساسة وصحفيين. نعتقد أن التخوف مشروع ولكن هناك مبالغة في قدرة ترامب على إحداث تغييرات كبيرة، فحتى وإن كان راغبا في ذلك فالأمر يحتاج لوقت لأن ترامب رئيس للولايات المتحدة، دولة المؤسسات السياسية العريقة والمركب الاقتصادي العسكري والمصالح الممتدة عبر القارات، وليس رئيس قبيلة أو رئيس دولة من دول العالم الثالث. كما أن الحكم على سياسات زعماء الدول يكون بعد توليهم كرسي الرئاسة وليس من خلال حملتهم الانتخابية، ومن خلال الأفعال وليس الأقوال، وما هو خفي في السياسة أكبر بكثير مما يُقال أو يُفصَح عنه في الخطابات والتصريحات العلنية، دون أن ننسى أن ترامب مرشح الحزب الجمهوري ودوما كان الحزب الجمهوري على يمين الحزب الديمقراطي سواء في السياسة الداخلية أو السياسة الخارجية. في ظني أن ترامب وبالرغم من انتقاداته للإدارات الأميركية السابقة وخصوصا إدارة أوباما إلا أنه سيوظف انجازات سابقيه وما تم تحقيقه وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط، وفي نفس الوقت سيُحرر أميركا الدولة من السلبيات والأخطاء الناتجة عن الإدارات السابقة ويلقي بها على مسؤولية الحزب الديمقراطي والرئيس أوباما. الفرق بين ترامب وأوباما أن ترامب يوظف سياسة "حافة الهاوية" حيث يبدأ بالهجوم والتصعيد وصدم كل الأطراف ثم يتدرج بالتراجع والتنازلات، أما أوباما فقد بدأ بخطاب لين ومثالي ومتصالح مع الجميع ثم مارس عكس كل ما كان يقول وخصوصا فيما يتعلق بمشكلة الشرق الأوسط. الجديد في شخصية ترامب وسياساته المتوقعة أنه اكثر واقعية وأكثر تحررا من تركة الحرب الباردة بتحالفاتها وأحلافها ومنظماتها الدولية، أو بصيغة أخرى إنه أبن زمانه، زمن المال والاقتصاد والواقعية السياسية. لو تمحصنا بعض التصريحات والمواقف التي دفعت كثيرين للخوف من التوجهات السياسية لترامب لوجدناها تندرج ضمن سياسة حافة الهاوية وهي جزء من السياسة الواقعية: 1-ترامب ومقولة "أميركا أولا" ترامب لم يأتِ بجديد، لأن كل دول العالم تنطلق من مبدأ المصلحة القومية أولا، حتى الإدارات الأميركية السابقة كانت تتصرف على هذا الأساس. فلا نعتقد أن إدارة أوباما عندما أرسلت جيوشها للشرق الأوسط وغيرها من المناطق ونشرت الفوضى والخراب الخ إنما للدفاع عن شعوب العالم ونشر الديمقراطية على حساب مصالحها القومية! كل الإدارات الأميركية السابقة كانت تعمل للحفاظ على مصالح واشنطن وحليفتها إسرائيل، كما أن هذه التدخلات لم تكن بلا ثمن بل كانت بثمن باهظ تدفعه الدول المتلقية "للمساعدات"، مثلا الدول الخليجية اشترت بمئات المليارات الدولارات صفقات أسلحة كما تدفع هذه الدول نفقات القواعد العسكرية الأميركية القائمة على أراضيها أيضا السيطرة على النفط والتجارة الخارجية والاستفادة من تريليونات الدولارات الخليجية الموظفة في الاقتصاد الاميركي. 2-ترامب والدعوة لعزلة الولايات المتحدة تاريخيا هناك جدل داخل الحزب الجمهوري بين دعاة الانغلاق ودعاة الانفتاح. ويبدو أن ترامب من دعاة الانغلاق ولكن ليس الانغلاق الكامل، لأن طبيعة التكوين الاجتماعي للولايات المتحدة الاميركية وما وصل له اقتصادها من نمو لا يسمحان بذلك. لذا لا يمكن للولايات المتحدة أن تعزل نفسها عن العالم لعدة أسباب أهمها الاقتصادية، حيث قوة الاقتصاد الاميركي وحالة الرخاء فيها مرتبط بسياستها الامبريالية بحيث يمكن القول بأن امبريالية أميركا هي ضمان وجودها واستمرارها كدولة. عزل أميركا عن العالم يعني انهيار المركب العسكري الاقتصادي الركيزة الأساسية للاقتصاد الاميركي، وهذا المركب يعتمد على الهيمنة الامبريالية لواشنطن. 3-القول بأن ترامب يعزز الشعبوية والنزعات اليمينية هذا قول صحيح ولكن، الشعبوية ظاهرة عالمية سابقة لترامب وتتجاوز حدود الولايات المتحدة. الشعوبية واليمين المتطرف كان وراء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهذه النزعة ممتدة في كثير من دول أوروبا، وفي الولايات المتحدة نفسها فإن اليمين المحافظ واليمينيين الجدد صعدوا إلى مواقع قيادية في الإدارة الأميركية منذ الثمانينيات، وترامب نتيجة أو خلاصة لهذه التوجهات. الشعوبية ستثير إشكالات داخل الولايات المتحدة بسبب التركيبة السكانية فيها وهذا هو الخطر من شعوبية ترامب وليس تداعياتها على السياسة الخارجية. 4-الموقف من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي قبل أن يثير ترامب هذا الموضوع فإن جدلا كان يثور داخل أوروبا حول دور ووظيفة هاتين المؤسستين اللتين من مخلفات الحرب الباردة وكانت وظيفتهما مواجهة الخطر الشيوعي – الاتحاد السوفيتي سابقا- وكان دعم واشنطن لهما من هذا المنطلق، أما اليوم فترامب رجل الاقتصاد يُدرك أن الصراعات القادمة ستكون حول المصالح الاقتصادية وهو يرى أن الخطر على الولايات المتحدة في هذا السياق لا تمثله روسيا بل الصين وبالتالي على الاتحاد الاوروبي وحلف الأطلسي التكيف مع هذه المتغيرات. 5-ترامب والشرق الأوسط أثار ترامب غضب وخوف دول المنطقة عندما انتقد صفقة الاتفاق النووي مع إيران وهدد بإلغائها، كما انتقد طريقة تعامل واشنطن مع دول الخليج متهما الإدارات السابقة بأنها تحمي هذه الدول دون مقابل، وعلى هذه الدول دفع مقابل الحماية الأميركية لها - وقد بينا أعلاه عدم صحة هذا الزعم، ولكنه يريد المزيد. كما وعد بمحاربة الجماعات الإسلامية المتطرفة بلا هوادة، ونعتقد أن وراء هذا الموقف من هذه القضايا يكمن حرصه على إسرائيل ومواجهة كل مصادر تهديدها، أيضا العداء للإسلام والمسلمين وما يؤكد ذلك موقفه من المسلمين الأميركيين، وطقوس تنصيبه حيث القيت كلمات رجال دين مسيحيين ويهود، مع أن عدد المسلمين في الولايات المتحدة يفوق عدد اليهود. نعتقد أن سياسة إدارة ترامب تجاه الشرق الأوسط ستُبنى على انجازات سابقيها من الإدارات الأميركية. حتى وإن كان ترامب راغبا بمحاربة الجماعات الإسلامية المتطرفة وإيران فسيحتاج للدول العربية، ومن هنا نلاحظ مواقف عربية مرحبة بفوز ترامب مثل مصر والعربية السعودية. ولكن ما نخشاه أن ترامب سينقل فوضى الربيع العربي لدول أخرى كإيران وتركيا والسعودية. 6-ترامب والصراع الفلسطيني الإسرائيلي تصريحات ترامب حول هذا الموضوع وخصوصا رغبته بنقل مقر السفارة الأميركية للقدس، بالإضافة إلى خلفيته السياسية أثارت غضب وقلق ليس فقط عند الفلسطينيين بل عند كثير من قادة العالم، لأن إقدامه على هذه الخطوة سيترك تداعيات خطيرة على مجرى الصراع وعلى عملية التسوية السياسية وقرارات الشرعية الدولية التي تؤكد جميعا بأن القدس الشرقية جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة ومن دولة فلسطين، ومن جهة اخرى فإن الإقدام على هذه الخطوة سينهي عملية التسوية السياسية التي ترعاها واشنطن. وفي هذا السياق يجب أن لا نستبعد أن يكون في جعبة ترامب رؤية لتسوية سياسية جديدة تقصي القدس وقضية اللاجئين، ويريد تمريرها من خلال التصعيد أو الهجوم المبكر على العرب والمسلمين ليصدمهم أولا ثم يفرض العودة لطاولة المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين انطلاقا من رؤيته الجديدة الأكثر انحيازا لإسرائيل،وليس انطلاقا من النقطة التي توقفت عندها المفاوضات. نعم نقل السفارة أمر خطير، ولكن ترامب سيستفيد في تمرير قراره من أوضاع خلقتها الإدارة الاميركية في عهد اوباما، فهذه الأخيرة سكتت على عمليات الاستيطان والتهويد في القدس وكامل الضفة الغربية، واستعملت أو هددت باستعمال حق الفيتو في وجه كل مشروع قرار يُدين الممارسات الإسرائيلية في القدس – باستثناء قرار 2334 – ولم تعترف بالدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى ما الحقته من خراب ودمار في العالم العربي تحت مسمى الربيع العربي، مما أضعف قدرة العرب على مواجهة أي خطوات تصعيدية كقرار نقل السفارة الاميركية أو حتى قرار ضم إسرائيل لجزء من الضفة الغربية. د. إبراهيم أبراش أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر – غزة Ibrahemibrach1@gmail.com

مشاركة :