تجار حلب ينفضون غبار الحرب عن متاجرهم في الاسواق القديمة

  • 1/27/2017
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

حلب (أ ف ب) - وسط جدران متفحمة ملأتها ثقوب الرصاص، يقوم شبان بازالة الركام والنفايات من شوارع الاسواق القديمة في مدينة حلب باشراف تجار ينتظرون بفارغ الصبر فتح ابواب محالهم مجددا. منذ سيطرة الجيش السوري قبل اكثر من شهر على كامل مدينة حلب، يضطر انطوان بقال (66 عاما) يوميا الى اجتياز اكوام الركام والنفايات ليصل الى متجره لكي وبيع الاقمشة في سوق خايربك في حلب القديمة. يقول انطوان وقد غزى الشيب شعره "كنت أول من يدخل إلى خان خايربك، وسعدتُ لأنني وجدت محلّي صامدا برغم الاوساخ والأضرار الطفيفة". ويضيف "شجعت أصدقائي التجار على العودة حتى اني أرسلتُ لهم صورا لمحالهم. تحمّسوا جميعا، وجاؤوا الواحد تلو الآخر". غيرت المعارك التي شهدتها مدينة حلب طوال اربع سنوات معالم المدينة الاثرية القديمة المدرجة على لائحة التراث العالمي للانسانية باسواقها وخاناتها، بعدما تحولت الى خط تماس بين طرفي النزاع. حالف الحظ تجار خان خايربك، احد اشهر اسواق القماش في حلب القديمة، فبعكس اسواق اخرى دمرت بشكل شبه كامل، بقيت متاجرهم صامدة برغم الاضرار. ويقول انطوان "كنا نسمع أصوات القذائف تتساقط هنا (...) لكن سعدتُ كثيرا حين وجدت انه بإمكاني إعادة إحياء المتجر. لا يوجد دمار كبير لكن نحتاج الى تنظيف وترميم المكان". في متجره المظلم، ينحني انطوان على الارض ويرفع مفكرة قديمة كتب عليها فاتورة تعود الى العام 2011، ثم يتفقد آلة لكي القماش عله يتمكن من اصلاحها للعمل مجددا. بعد عودته الى المحل، وجد انطوان صورة والده متسخة ومرمية على الارض، سارع الى تنظيفها واعادتها الى مكانها على الجدار. ينظر الى الصورة المعلقة ويقول "سأعيد ترتيب المحل لاجهزه لابني كي يعمل فيه، وكي يعلّق صورتي الى جانب صورة والدي، ويذكرني بالخير". - "لا بد ان نبدأ" - في الخان الضيق ووسط قناطر اثرية تزين السوق، يتردد التجار تباعا لتفقد محالهم ومنهم من بدأ مباشرة باعمال التأهيل لاعادة الحياة الى سوق طالما تنوع زبائنه بين اهل المنطقة وآخرين من بلدان العالم. ينظر زكريا عزيزة (55 عاما) الى صور لمتجره قبل الحرب على هاتفه الجوال، ويقول "كان الخان مليئا بالأقمشة والبضائع حتى انه كان يصعب التنقل بين المحال بسبب زحمة البضائع والزبائن". ويضيف "اما اليوم، يصعب المشي بسبب الركام والقمامة". في ساحة الخان، اشجار توت وليمون يابسة والى جانبها بركة على الطراز التقليدي جف مائها، ويحيط بها من كل حدب وصوب خردة ونفايات واغصان شجر وكراس مكسرة وارائك متسخة. ومن على احدى شرفات الطابق الثاني في الخان، يرمي شابان الركام والنفايات في ساحة صغيرة لتجميعها تمهيدا لنقلها. وقد طلبت محافظة حلب من التجار إخراج الركام من متاجرهم لكي تأتي الشاحنات لاحقا وتقلها قبل بدء اعمال التنظيف والترميم بامل ان يعود السوق الى سابق عهده. وبرغم اعتقاده ان الامر بحاجة الى عام على الاقل لتأهيل السوق يقول عزيزة "لا بدّ من البداية، وها قد بدأنا". وتعود اسواق المدينة الاثرية الى نحو اربعة الاف عام وتضم اكثر من اربعة الاف محل و40 خانا من الضرر والاحتراق. وفي العام 2013، ادرجتها منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) على قائمة المواقع العالمية المعرضة للخطر - "بيت العائلة" - يستريح مازن عزيزة (35 عاما) على كنبة حمراء قديمة وجدها وسط ساحة السوق بعدما اضطر الى اجتياز اكوام كبيرة من الركام للوصول الى متجر عمه زكريا. يتفق الرجلان على التناوب للاشراف على اعمال التنظيف، فالسوق بالنسبة لمازن ليس مصدر رزق فقط بل انه مرتبط بذكريات طفولته. ويقول "منذ كنت في السادسة من عمري كنت ألعب هناك"، مشيرا الى احدى ساحات الخان التي اقفل الركام مدخلها. ويضيف "اشعر انه مثل بيت العائلة (...) ولذلك آتي يوميا منذ شهر لتفقد محلات العائلة الواحد تلو الآخر". تنساب اشعة الشمس من فوهات في سقف السوق لتضيء طريق التجار وبعض الزوار الذي اتوا لالتقاط الصور لمحال طالما زاروها واشتروا اقمشتها الملونة. عند مدخل الخان، يتفقد محمد نور ميمي (60 عاما) متجره لبيع الآلات الموسيقية، يزيل الاقمشة عن ما بقي منها، ثم يخرج منه ليتفقد في الضوء دربكة (آلة ايقاع) سوداء اللون قد تكون لا زالت صالحة للعزف. احتفظ محمد طوال السنوات الماضية بمفتاح باب الخان الحديدي الضخم الذي اعتاد ان يفتحه كل صباح قبل الحرب. وقد حمله معه مسرعا فور فتح الطريق الى المدينة القديمة برغم ان البوابة الكبيرة اقتلعت من مكانها. يقول محمد "لم نتمكن من الانتظار، قررنا تنظيف السوق والمحلات، سوف يأتي التجار حتى لو لشرب القهوة أو النرجيلة فقط، سواء عاد السوق الى العمل او لا". ماهر المونس © 2017 AFP

مشاركة :