حلب تنفض عنها غبار الحرب... وتجارها يعيدون ترميم أسواقها القديمة - اقتصاد

  • 1/28/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

حلب - أ ف ب - وسط جدران متفحمة ملأتها ثقوب الرصاص، يقوم شبان بإزالة الركام والنفايات من شوارع الأسواق القديمة في مدينة حلب، بإشراف تجار ينتظرون بفارغ الصبر فتح أبواب محالهم مجدداً. ومنذ سيطرة الجيش السوري قبل اكثر من شهر على كامل مدينة حلب، يضطر أنطوان- بقال (66 عاماً) يومياً، إلى اجتياز أكوام الركام والنفايات ليصل إلى متجره لبيع الاقمشة في سوق خايربك في حلب القديمة. وقال أنطوان وقد غزا الشيب شعره «كنت أول من يدخل إلى خان خايربك، وسعدتُ لأنني وجدت محلّي صامداً برغم الاوساخ والأضرار الطفيفة»، مضيفاً «شجعت أصدقائي التجار على العودة، وأرسلتُ لهم صوراً لمحالهم، تحمّسوا جميعاً، وجاؤوا الواحد تلو الآخر». وقد غيرت المعارك التي شهدتها مدينة حلب طوال أربع سنوات، معالم المدينة الاثرية القديمة المدرجة على لائحة التراث العالمي للإنسانية بأسواقها وخاناتها، بعدما تحولت إلى خط تماس بين طرفي النزاع. وحالف الحظ تجار «خان خايربك»، أحد أشهر أسواق القماش في حلب القديمة، فبعكس أسواق أخرى دمرت بشكل شبه كامل، بقيت متاجرهم صامدة برغم الأضرار. وتابع أنطوان «كنا نسمع أصوات القذائف تتساقط هنا، لكن سعدتُ كثيراً حين وجدت أنه بإمكاني إعادة إحياء المتجر، لا يوجد دمار كبير ولكننا نحتاج إلى تنظيف وترميم المكان». في متجره المظلم، ينحني أنطوان على الارض ويرفع مفكرة قديمة كتب عليها فاتورة تعود الى العام 2011، ثم يتفقد آلة لكي القماش عله يتمكن من إصلاحها للعمل مجدداً. وبعد عودته الى المحل، وجد أنطوان صورة والده متسخة ومرمية على الارض، سارع إلى تنظيفها وإعادتها إلى مكانها على الجدار، واخذ ينظر الى الصورة المعلقة، مؤكداً «سأعيد ترتيب المحل لاجهزه لابني كي يعمل فيه، وكي يعلّق صورتي إلى جانب صورة والدي، ويذكرني بالخير». «لا بد ان نبدأ» - في الخان الضيق ووسط قناطر اثرية تزين السوق، يتردد التجار تباعاً لتفقد محالهم، ومنهم من بدأ مباشرة بأعمال التأهيل لإعادة الحياة إلى سوق طالما تنوع زبائنه بين أهل المنطقة وآخرين من بلدان العالم. ينظر زكريا عزيزة (55 عاماً) إلى صور لمتجره قبل الحرب على هاتفه الجوال، ويقول «كان الخان مليئاً بالأقمشة والبضائع حتى انه كان يصعب التنقل بين المحال بسبب زحمة البضائع والزبائن»، ويضيف «أما اليوم، يصعب المشي بسبب الركام والقمامة». في ساحة الخان، أشجار توت وليمون يابسة وإلى جانبها بركة على الطراز التقليدي جف ماؤها، ويحيط بها من كل حدب وصوب خردة ونفايات وأغصان شجر وكراسي مكسرة وأرائك متسخة. ومن على إحدى شرفات الطابق الثاني في الخان، يرمي شابان الركام والنفايات في ساحة صغيرة، لتجميعها تمهيداً لنقلها. وقد طلبت محافظة حلب من التجار إخراج الركام من متاجرهم، لكي تأتي الشاحنات لاحقاً، وتقلها قبل بدء أعمال التنظيف والترميم، على أمل أن يعود السوق إلى سابق عهده. ورغم اعتقاده بأن الأمر بحاجة إلى عام على الاقل لتأهيل السوق، يقول عزيزة بعد عودته إلى محله «لا بدّ من البداية، وها قد بدأنا». وتعود أسواق المدينة الأثرية إلى نحو 4 آلاف عام، وتضم أكثر من 4 آلاف محل و40 خاناً تأثرت من الضرر والاحتراق، وفي العام 2013، أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) على قائمة المواقع العالمية المعرضة للخطر. وفي «بيت العائلة» - يستريح مازن عزيزة (35 عاماً) على كنبة حمراء قديمة، وجدها وسط ساحة السوق بعدما اضطر إلى اجتياز أكوام كبيرة من الركام للوصول إلى متجر عمه زكريا. ويتفق الرجلان على التناوب للإشراف على اعمال التنظيف، فالسوق بالنسبة لمازن ليس مصدر رزق فقط، بل هو مرتبط بذكريات طفولته. ويؤكد: «منذ كنت في السادسة من عمري كنت ألعب هناك»، مشيراً إلى إحدى ساحات الخان التي أقفل الركام مدخلها. ويضيف «أشعر أنه مثل بيت العائلة ولذلك آتي يومياً منذ شهر لتفقد محلات العائلة الواحد تلو الآخر». كما تنساب أشعة الشمس من فوهات في سقف السوق لتضيء طريق التجار وبعض الزوار، الذين أتوا لالتقاط الصور لمحال طالما زاروها واشتروا أقمشتها الملونة. عند مدخل الخان، يتفقد محمد نور ميمي (60 عاماً)، متجره لبيع الآلات الموسيقية، ويزيل الأقمشة عما بقي منها، ثم يخرج منه ليتفقد في الضوء دربكة (آلة ايقاع) سوداء اللون قد تكون مازالت صالحة للعزف. واحتفظ محمد طوال السنوات الماضية بمفتاح باب الخان الحديدي الضخم، الذي اعتاد أن يفتحه كل صباح قبل الحرب، وقد حمله معه مسرعاً فور فتح الطريق إلى المدينة القديمة، برغم أن البوابة الكبيرة اقتلعت من مكانها. ويقول: «لم نتمكن من الانتظار، قررنا تنظيف السوق والمحلات، سيأتي التجار حتى لو لشرب القهوة أو النرجيلة فقط، سواء عاد السوق إلى العمل أم لا».

مشاركة :