ثمة لعبة صحافية مستمرة منذ أشهر اسمها ترامب وستستمر من دون أن يتوقع أحد نهايتها القريبة، حتى وإن حدث ما لا يمكن توقعه في البيت الأبيض. العربكرم نعمة [نُشرفي2017/01/28، العدد: 10526، ص(18)] لم تعد المفاجأة قائمة في كلام راسل بيكر المراسل السابق لصحيفة نيويورك تايمز، بعدم وجود صحافيين يغطّون البيت الأبيض، بل يوجد صحافيون يغطيهم البيت الأبيض، بالطريقة التهكمية نفسها في عصر الرئيس دونالد ترامب. ثمة لعبة صحافية مستمرة منذ أشهر اسمها ترامب وستستمر من دون أن يتوقع أحد نهايتها القريبة، حتى وإن حدث ما لا يمكن توقعه في البيت الأبيض! فإذا أضفنا هذه المقالة إلى ما نشر عن ترامب، سيكون هناك الآلاف مما كتب من مقالات، وليس بعيدا أن تطول قائمات المقالات، حتى يمكن تخيلها كشريط صحافي يمتد المئات من الكيلومترات! ألم أقل منذ البداية إنها لعبة مستمرة! إنها لعبة صحافية سهلة ولا تُمل لدرجة يصبح فيها تحريك تمثال مارتن لوثر كينغ داخل مكتب ترامب مادة صحافية صالحة للكتابة، وهذا ما حدث بالفعل، ناهيك عن مداعبة ابن ترامب لابن شقيقته ولون وثمن ربطة عنق الرئيس، وتفسير الإشارات العميقة الصادرة من أصابعه منذ لحظة أداء القسم، كل شيء جائز في الكتابة كي تستمر اللعبة المسليّة، وها أنا نفسي أدخل متحمسا فيها! بدأت اللعبة مع مفاجأة استمرار ترشحه في انتخابات الرئاسة الأميركية، واستمرت مع صعوده وتواصلت مع تدفق الداعمين له، وتفاقمت أكثر مع فشل الصحافة توقع فوزه، واللعبة متواصلة على وتيرة مثيرة ومكررة منذ أدائه القسم الرئاسي. تلك هي اللعبة الصحافية التي يمكن أن يطلق عليها ببساطة اسم ترامب، غالبية الصحافيين أصبحوا مولعين ومتخصصين بها، لسبب بسيط اسمه ترامب أيضا، فصار هو السبب والنتيجة في آن، ومن السهولة تناوله، بل في واقع الأمر كل ما يصدر عنه يمكن تناوله وبناء قصة صحافية عليه، ليس لأنه رئيس الدولة الأعظم في العالم، بل لأنه ببساطة ترامب! ثمة متراجحة رياضية ولدت اسمها الصحافة- ترامب، حتى بات مصطلح “الحقائق البديلة” قائما كرد تعبيري من إدارة ترامب على حقائق الصحافة، كما تعهد شون سبايسر المتحدث باسم البيت الأبيض بألا يكذب أبدا، عندما سأله صحافي عما إذا كان ينوي قول الحقيقة بشكل دائم، رد عليه سبايسر “نيتنا ألا نكذب عليكم أبدا”. لكن الحقيقة في نهاية الأمر تبقى معلقة بين بندول الصحافة والبيت الأبيض، بما أن مصطلح ما بعد الحقيقة والحقائق البديلة نتاج لعصر ترامب. لنعد إلى الخلف قليلا ونتأمل ماذا كُتب في جلجلة التنافس الانتخابي للوصول إلى البيت الأبيض. لقد صنع الكاتب الصحافي فيليب ستيفنز لنفسه مساحة صحافية مضمونة ومقروءة وهو يعالج الجانب السار في شخصية دونالد ترامب!، فهو يرى فيه أنه ليس شخصا سيئا تماما، وربما هناك وجاهة في تفكيره. تأمل كيف يجد ستيفنز مسوغا له عن كره النساء؟ “حسنا، بالتأكيد، تعد آراؤه المتعلقة بالنساء كريهة، لكن بصراحة نحن نسمع الكثير من الحديث نفسه في معظم غرف خلع الملابس للرجال”. ويستشهد بكلام من رودي جولياني عمدة نيويورك الأسبق، حول الشخصية الحقيقية لترامب؟ إنه شخص “مفكر وذكي ومتعلم ومثقف”. لن تنتهي القصة في ما كتبه ستيفنز عن ترامب في صحيفة فايننشيال تايمز، كانت اللعبة في بداية شوطها أمام الصحف، وهي لم تزل في البداية. المثير في الأمر أن ترامب ليس من تجار الكلام أسوة بكل الزعماء الذين غادروا المناصب أو مازالوا يجلسون على كراسيها، إنه لا يبيع ما يقوله، فلم يعد يحتاج إلى المال، ندرك ذلك لحظة تخلّيه عن راتبه كرئيس للولايات المتحدة، لأن دخله السنوي يتخطى نصف مليار دولار. تجار الكلام أكثر من أن يحصون وتلك قصة مكررة في مفاهيم الصحافة يمكن المرور عليها من دون اهتمام يذكر، وآخرهم باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون الذي أنهى آخر حديث له في جامعة ديبو في بلدة صغيرة في إنديانا، مقابل 120 ألف جنيــه في الساعة. لأن الرئيس الأميركي بدأ خطابه الأول بالتحدث بغطرسة الحُكّام بالقدر نفسه من الغطرسة المعهودة، بالتالي يقترح كريستوفر كالدويل الكاتب في صحيفة فايننشيال تايمز، هوية جديدة للطبقة الحاكمة: ليس كأبطال رحيمين يدافعون عن المُستبعدين، وليس كزعماء جريئين للصناعة، وليس حتى مدافعين وقورين عن الأخلاق العامة، بل كخنازير حول حوض العلف، تلك أيضا من مواصفات اللعبة المستمرة للصحافة، الكلام البذيء مسموح به! الكاتب فيليب ستيفنز صنع قصة من المقارنة، فترامب صالح للمقارنة دائما ليس مع باراك أوباما بوصفه الرئيس السابق، بل حتى مع فلاديمير بوتين: ترامب مطوّر عقارات ثري من حيث الخلفية، أما الرئيس الروسي فهو رئيس سابق في جهاز الأمن الفيدرالي في بلاده. هذا استعراض أولي حتى تنجلي الصورة. ويصل ستيفنز إلى القول “إنهما أخوة في النرجسية. إذا نجح تشجيع ترامب في تخفيف كبرياء بوتين الجريح، فهذا أمر لا بأس به”. لا أعتقد أنه ثمة أمر أكثر تسلية في تلك اللعبة الصحافية مع ترامب، إنها ستستمر لسببين، أولهما بالطبع شخصية ترامب نفسه، وثانيهما أن الصحافة بشكل عام أصبحت أسيرة وعاجزة عن صناعة محتوى متميز، فلم يتبق لها غير أن تلعب في طريق طويل مع الرئيس الأميركي الجديد! كاتب عراقي مقيم في لندن كرم نعمة :: مقالات أخرى لـ كرم نعمة ترامب لعبة صحافية لا تُمل, 2017/01/28 اللغات لا تتقاتل, 2017/01/23 أيها الصحافيون: المشكلة فينا وليست في القراء, 2017/01/21 الغناء بوصفه حلا, 2017/01/16 سلب السلطة من السلطة الرابعة, 2017/01/14 أرشيف الكاتب
مشاركة :