لم ينس صديقي مزحة أن يكون يهوديا، ووجدها لعبة مغرية يمارسها بين الحين والآخر كلما تعرض إلى سؤال من أي بلد أنت، أو هل أنت مسلم، هذا السؤال المكرر بإزعاج ممل.العرب كرم نعمة [نُشر في 2018/02/05، العدد: 10891، ص(24)] انبهر صديقي المهندس العربي بردة فعل نادل مطعم إسباني في مدريد بعد أن قدم له صحبة زوجته طبقا يحتوي على لحم الخنزير، وعندما أبلغه بأنه لا يتناول هذا النوع من اللحم، مازحا مع النادل بقوله “أنه يهودي متزمت”! صدق النادل المزحة وكرر اعتذاره مستبدلا الطبق بآخر من أجود أنواع غلال البحر! لم ينس صديقي مزحة أن يكون يهوديا، ووجدها لعبة مغرية يمارسها بين الحين والآخر كلما تعرض إلى سؤال من أي بلد أنت، أو هل أنت مسلم، هذا السؤال المكرر بإزعاج ممل، والذي لا يستطيع أبناء الجاليات الباكستانية والأفغانية والصومالية والإيرانية والعربية التخلص من إطلاقه كلما صادفوا من هو ليس غربيا بالملامح! وكأن بداية التعارف مع الغريب تبدأ بدينه وليس بإنسانيته. لعبة أن تكون يهوديا استهوت صديقي المسلم وسط لا مبالاة زوجته المسيحية، لكنه هذه المرة وجد نفسه موضع احتفاء وتورط معا مع نادل مطعم بنغالي قريب من منزله، كانا يفضلان أن يرتاداه في نهاية الأسبوع، ولأن المطعم مزدحم بالإنكليز الذين يهوون الأطباق الهندية، كان النادل يحجز للمهندس العربي وزوجته طاولة دائمة كلما أتيا من دون موعد، بعدما أطلق عليهما نفس السؤال المكرر الممل، وعرف أنه يهودي! كان أشبه بكنز تاريخي بالنسبة للنادل البنغالي عندما يأتي “اليهودي المفترض وزوجته”! يطلق المزيد من الأسئلة عن التاريخ وعما هو محرم في الطعام والشراب عند اليهود، وصديقي الذي استهوته اللعبة وجد نفسه متورطا بيهوديته المفترضة، فليس فقط عليه أن يلم بالتاريخ اليهودي أو على الأقل المهم منه، كان عليه أن يعرف ما هو المحرم والمحلل وأسماء الكتب المقدسة، فأسئلة النادل المسكين طفولية شغوفة، وكما يبدو الأمر أنه سعد بوجود يهودي يتحدث معه بكل حرية. تصرف صديقي بكرم عربي مبالغ فيه وهو يتقمص شخصيته اليهودية، يبالغ في إكرام النادل بمبلغ مضاف من المال بعد كل وجبة طعام، مجيبا على نظرات زوجته المستغربة من كرم زوجها المبالغ فيه، بأنه يريد إشعار النادل بأن اليهود ليسوا بخلاء كما يشاع عنهم! في المرة الأخيرة، وجد المطعم مزدحما في عطلة نهاية الأسبوع، وهناك من ينتظر قبله في طابور من الزبائن كما يبدو أنهم حجزوا طاولاتهم مسبقا، وعندما وقف في آخر الطابور مع زوجته على أمل أن يرى صديقه النادل المشغول، وقع وجهه بوجه نادل آخر مبتسما، ولحسن حظه كان هذا النادل ذكيا، فعندما رآه ذهب بعد لحظات إلى زميله النادل البنغالي وهمس بأذنه شيئا ما. توقع بلا أدنى شك بأنه قد أبلغه بأن “صديقك اليهودي وزوجته ينتظران طاولتهما”. كرم نعمة
مشاركة :