في أحد البرامج الصباحية الأمريكية استضافت مقدمة البرنامج هذا الأسبوع أساتذة بعض المشاهير ممن تركوا أثرا كبيراً في شخصياتهم وجعلوا لحياتهم قيمة ما.. كانت المقابلة عزيزة على الطرفين بعد فراق السنين!! أكدت لي هذه البرامج أهمية المثل الأعلى في حياة الطفل والشاب فالقدوة الحسنة تؤثر بلا شك في فكر ومنطق وأسلوب وممارسة الحياة لدى الأطفال والشباب.. فهي ضوء من نور الفجر.. ولقد ظهر في حياتنا لون من البشر يشبه الأسطورة الأستاذ محمد الشبل والأستاذ عبدالواحد طاشكندي والأستاذ فؤاد سندي والأستاذ عبد الكريم الخراشي والأستاذ صالح محجوب والأستاذ عبد الله بخاري والأستاذ عبد الله يماني والأستاذ هاشم مقيبل وآخرون.. وكان من الصعب على من تعلم على يدهم إلا أن يقع في حبهم ويتأثر بهم فقد كانوا نقطة تحول حقيقية في اتجاه ميولنا ورغباتنا ولم يكن دورهم يقتصر على التدريس ونقل المعلومات، بل كانوا مربين ومعلمين ورجال ثقة ولديهم القدرة على نقل ثقتهم بالآخرين إلى نفوس الآخرين وبقيت دروسهم ومواقفهم عالماً من السحر الذي يشبه الواحة في صحراء موحشة وانعكس ذلك التأثير على حياتنا.. فتعلمنا على أياديهم القيم المتطورة والمبادئ والتي كانت تنبع من الإيمان بضرورة أن ينال كل إنسان حقه في الحياة الحقيقية وللأسف تضاءل هذا الشعور في نفوس بعض الأبناء.. ومع هذا التضاؤل أصبح بعض الأطفال يتصرفون في حياتهم ويفكرون ويتكلمون مثل شخصيات المسلسلات التلفزيونية ولا غرابة في ذلك.. فأقسى ما يمر به الطفل أن يكون فارغ المعنى وأشق ما يمر به الشاب أن يزدحم قلبه بالأسئلة التي لايجد لها جواباً وبين الفراغ من المعنى والأزدحام بالأسئلة قد يسير الإنسان في دهاليز التزوير وهي كثيرة ومتعددة وتطل علينا من كل مكان.. وأبناؤنا نقاط ضعفنا فنحن أقوياء إلا أمامهم.. إنهم مثل جرس معلق في القلب نحمله بين ضلوعنا ويسمع الناس كل رنينه، وهم جسر الامتداد بين أيام مضت وأيام قادمة قد لا نعيشها.. نتمنى أن يكونوا أفضل منا وأن ينعموا بما حُرمنا منه وأن يفوزوا بما خسرناه.. نستغرب في غياب القدوة الحسنة والمثل الأعلى أن يأخذ هذا الجزء العزيز منا زمام الأمور بيده ويصبح نموذجاً شاذاً مختلفاً بعيداً عنا.. وبدأنا نقرأ ونسمع عن انحراف شباب هنا وهناك وهذا ناتج طبيعي لغياب القدوة الحسنة ولكن بالتأكيد أن هذه الانحرافات فردية ولايمكن أن تكون دليلاً لاتهام جيل بكامله والمسؤول الأول والأخير في النهاية هم الكبار.. فوظيفة الكبار لا تقتصر على تأمين المأكل والمشرب والمأوى واستخدام القمع والعقاب والحرمان والتهديد والوعيد كوسيلة للإصلاح فمهاجمة البراءة ومحاولة كسر أنفها الصغير مشروع خاطئ لبناء هيكل السلوك الحضاري الذي اتفق عليه البشر ليصبح الطفل رجلاً، فصهر الطفل وتنمية مداركه مهمة لا يستطيع القيام بها سوى مهندس معماري متمكن وقادر على تصميم خريطة واضحة له، يستطيع بها ومن خلالها تقديم أوراق اعتماده للمجتمع كإنسان ناجح وناضج يعرف كيف ينمي احترامه لنفسه واحترام من حوله له!! من يصنع للطفل والشاب هذه الخريطة؟ الوالدان والمعلم.. فهم الأشكال التي تحدد المعنى.. فالمعنى يحتاج إلى شكل وكل الأشكال تحتاج إلى معنى!!
مشاركة :